للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّأْسِ، فَمَسَحَ عَلَى النَّازِلِ مِنْ مَنَابِتِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ مَا تَرَأَّسَ وَعَلَا، وَلَوْ رَدَّ هَذَا النَّازِلَ وَعَقَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَازِلٌ رَدَّهُ إلَى أَعْلَاهُ. وَلَوْ نَزَلَ عَنْ مَنْبَتِهِ وَلَمْ يَنْزِلْ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَمَسَحَ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ شَعْرٌ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَأَشْبَهَ الْقَائِمَ عَلَى مَحَلِّهِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ ذِي شَعْرٍ. وَلَوْ خَضَبَ رَأْسَهُ بِمَا يَسْتُرُهُ أَوْ طَيَّنَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخِضَابِ وَالطِّينِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخِضَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ عَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةً فَمَسَحَ عَلَيْهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(١٧١) فَصْلٌ: وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ بِمَاءٍ جَدِيدٍ غَيْرِ مَا فَضَلَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَجَوَّزَهُ الْحَسَنُ وَعُرْوَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يَخْرُجُ عَنْ طُهُورِيَّتِهِ، سِيَّمَا الْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ. وَلَنَا: مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: «مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ.» وَكَذَلِكَ حَكَى عَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ رَوَاهُنَّ أَبُو دَاوُد، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جَدِيدًا.»

وَلِأَنَّ الْبَلَلَ الْبَاقِيَ فِي يَدِهِ مُسْتَعْمَلٌ، فَلَا يُجْزِئُ الْمَسْحُ بِهِ، كَمَا لَوْ فَصَلَهُ فِي إنَاءٍ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ.

(١٧٢) فَصْلٌ: فَإِنْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ مَسْحِهِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْمَسْحِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ وَأَمَرَ بِالْمَسْحِ؛ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الطَّهَارَةِ، فَلَمْ يُجْزِئْ عَنْ النَّوْعِ الْآخَرِ، كَالْمَسْحِ عَنْ الْغَسْلِ. وَالثَّانِي يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جُنُبًا فَانْغَمَسَ فِي مَاءٍ يَنْوِي الطَّهَارَتَيْنِ، أَجْزَأهُ مَعَ عَدَمِ الْمَسْحِ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ مُنْفَرِدًا؛ وَلِأَنَّ فِي صِفَةِ غَسْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْحًا؛ وَلِأَنَّ الْغَسْلَ أَبْلَغُ مِنْ الْمَسْحِ، فَإِذَا أَتَى بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَهُ، كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ يَنْوِي بِهِ الْوُضُوءَ، وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يُمِرَّ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ.

فَأَمَّا إنْ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مَعَ الْغَسْلِ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالْمَسْحِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ، فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ، حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إلَى مُقَدَّمِهِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلَوْ حَصَلَ عَلَى رَأْسِهِ مَاءُ الْمَطَرِ، أَوْ صَبَّ عَلَيْهِ إنْسَانٌ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَيْهِ يَقْصِدُ بِذَلِكَ الطَّهَارَةَ، أَوْ كَانَ قَدْ صَمَدَ لِلْمَطَرِ، أَجْزَأَهُ.

وَإِنْ حَصَلَ الْمَاءُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَجْزَأَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَاءِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>