للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَا رَبِّ إنِّي مُؤْمِنٌ بِك عَابِدٌ

مُقِرٌّ بِزَلَّاتِي إلَيْك فَقِيرُ

وَقَالَ آخَرُ:

وَإِنِّي إلَى مَعْرُوفِهَا لَفَقِيرُ

وَهَذَا مُحْتَاجٌ، فَيَكُونُ فَقِيرًا غَيْرَ غَنِيٍّ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا يَمْلِكُهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ لَكَانَ فَقِيرًا، وَلَا فَرْقَ فِي دَفْعِ الْحَاجَةِ بَيْنَ الْمَالَيْنِ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ لَهُمْ سَفِينَةٌ فِي الْبَحْرِ مَسَاكِينَ، فَقَالَ تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: ٧٩]

وَقَدْ بَيَّنَّا بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْغِنَى يَخْتَلِفُ مُسَمَّاهُ، فَيَقَعُ عَلَى مَا يُوجِبُ الزَّكَاةَ، وَعَلَى مَا يَمْنَعُ مِنْهَا، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ أَحَدِهِمَا وُجُودُ الْآخَرِ، وَلَا مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُهُ، فَمَنْ قَالَ: إنَّ الْغِنَى هُوَ الْكِفَايَةُ. سَوَّى بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَغَيْرِهَا، وَجَوَّزَ الْأَخْذَ لِكُلِّ مَنْ لَا كِفَايَةَ لَهُ، وَإِنْ مَلَكَ نُصُبًا مِنْ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ.

وَمَنْ قَالَ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَرَّقَ بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَغَيْرِهَا؛ لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِأَنَّ الْأَثْمَانَ آلَةُ الْإِنْفَاقِ الْمُعَدَّةُ لَهُ دُونَ غَيْرِهَا، فَجَوَّزَ الْأَخْذَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتَهَا مِنْ الذَّهَبِ، وَلَا مَا تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ، مِنْ مَكْسَبٍ، أَوْ أُجْرَةٍ أَوْ عَقَارٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ نَمَاءِ سَائِمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.

وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مُعَدٌّ لِلْإِنْفَاقِ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْكِفَايَةُ بِهِ فِي حَوْلٍ كَامِلٍ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بِتَكَرُّرِهِ، فَيَأْخُذُ مِنْهَا كُلَّ حَوْلِ مَا يَكْفِيه إلَى مِثْلِهِ، وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ الْكِفَايَةِ لَهُ وَلِعَائِلَتِهِ وَمَنْ يَمُونُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَقْصُودٌ دَفْعُ حَاجَتِهِ، فَيُعْتَبَرُ لَهُ مَا يُعْتَبَرُ لِلْمُنْفَرِدِ.

وَإِنْ كَانَ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، جَازَ أَنْ يَأْخُذَ لِعَائِلَتِهِ حَتَّى يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسُونَ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، فِي مَنْ يُعْطِي الزَّكَاةَ وَلَهُ عِيَالٌ: يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عِيَالِهِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ. وَهَذَا لِأَنَّ الدَّفْعَ إنَّمَا هُوَ إلَى الْعِيَالِ؛ وَهَذَا نَائِبٌ عَنْهُمْ فِي الْأَخْذِ.

(١٧٨٨) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ الْفَقِيرَةِ زَوْجٌ مُوسِرٌ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، لَمْ يَجُزْ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْكِفَايَةَ حَاصِلَةٌ لَهَا بِمَا يَصِلُهَا مِنْ نَفَقَتِهَا الْوَاجِبَةِ، فَأَشْبَهَتْ مَنْ لَهُ عَقَارٌ يَسْتَغْنِي بِأُجْرَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا، وَتَعَذَّرَ ذَلِكَ، جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهَا، كَمَا لَوْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَةُ الْعَقَارِ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا.

[مَسْأَلَةُ مَصَارِف الزَّكَاة]

(١٧٨٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُعْطَى إلَّا فِي الثَّمَانِيَةِ الْأَصْنَافِ الَّتِي سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى) يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: ٦٠] وَقَدْ ذَكَرَهُمْ الْخِرَقِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَنُؤَخِّرُ شَرْحَهُمْ إلَيْهِ.

وَقَدْ رَوَى زِيَادُ بْنُ الْحَارِثِ الصُّدَائِيُّ. قَالَ: «أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَايَعْتُهُ. قَالَ: فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>