للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلُ اسْتَغْنَى عَنْ الزَّكَاة فُقَرَاءُ أَهْلِ بَلَدِهَا]

(١٧٩٩) فَصْلٌ: فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا فُقَرَاءُ أَهْلِ بَلَدِهَا، جَازَ نَقْلُهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: قَدْ تُحْمَلُ الصَّدَقَةُ إلَى الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فُقَرَاءُ أَوْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ حَاجَتِهِمْ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا تُخْرَجُ صَدَقَةُ قَوْمٍ عَنْهُمْ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَجِيءُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ مِنْ الصَّدَقَةِ، إنَّمَا كَانَ عَنْ فَضْلٍ مِنْهُمْ، يُعْطَوْنَ مَا يَكْفِيهِمْ، وَيُخْرَجُ الْفَضْلُ عَنْهُمْ.

وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ، فِي كِتَابِ " الْأَمْوَالِ "، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبِ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لَمْ يَزَلْ بِالْجُنْدِ، إذْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ، فَرَدَّهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَبَعَثَ إلَيْهِ مُعَاذٌ بِثُلُثِ صَدَقَةِ النَّاسِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ، وَقَالَ: لَمْ أَبْعَثْك جَابِيًا، وَلَا آخِذَ جِزْيَةٍ، لَكِنْ بَعَثْتُك لِتَأْخُذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ، فَتَرُدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ. فَقَالَ مُعَاذٌ: مَا بَعَثْت إلَيْك بِشَيْءٍ وَأَنَا أَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهُ مِنِّي. فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الثَّانِي، بَعَثَ إلَيْهِ بِشَطْرِ الصَّدَقَةِ، فَتَرَاجَعَا بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الثَّالِثُ بَعَثَ إلَيْهِ بِهَا كُلِّهَا، فَرَاجَعَهُ عُمَرُ بِمِثْلِ مَا رَاجَعَهُ، فَقَالَ مُعَاذٌ: مَا وَجَدْت أَحَدًا يَأْخُذُ مِنِّي شَيْئًا.

وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بِبَادِيَةٍ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ، فَرَّقَهَا عَلَى فُقَرَاءِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ.

[فَصْلُ إذَا كَانَ الْمُزَكِّي فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي بَلَدٍ]

فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي بَلَدٍ، وَمَالُهُ فِي بَلَدٍ، فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تُؤَدَّى حَيْثُ كَانَ الْمَالُ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ حَيْثُ هُوَ، وَبَعْضُهُ فِي مِصْرٍ، يُؤَدِّي زَكَاةَ كُلِّ مَالٍ حَيْثُ هُوَ. فَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ مِصْرِهِ وَأَهْلِهِ، وَالْمَالُ مَعَهُ، فَأَسْهَلُ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ، وَبَعْضَهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ، وَبَعْضَهُ فِي الْبَلَدِ الْآخَرِ.

فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ حَتَّى يَمْكُثَ فِيهِ حَوْلًا تَامًّا، فَلَا يَبْعَثُ بِزَكَاتِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ. فَإِنْ كَانَ الْمَالُ تِجَارَةً يُسَافِرُ بِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يُفَرِّقُ زَكَاتَهُ حَيْثُ حَالَ حَوْلُهُ، فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي اعْتِبَارِهِ الْحَوْلَ التَّامَّ، أَنَّهُ يَسْهُلُ فِي أَنْ يُفَرِّقَهَا فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْبُلْدَانِ الَّتِي أَقَامَ بِهَا فِي ذَلِكَ الْحَوْلِ.

وَقَالَ فِي الرَّجُلِ يَغِيبُ عَنْ أَهْلِهِ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ: يُزَكِّيه فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَثُرَ مُقَامُهُ فِيهِ. فَأَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ فَإِنَّهُ يُفَرِّقُهَا فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَفُرِّقَتْ فِي الْبَلَدِ الَّذِي سَبَبُهَا فِيهِ.

[فَصْلُ الْمُسْتَحَبُّ تَفْرِقَةُ الصَّدَقَةِ فِي بَلَدِهَا]

(١٨٠١) فَصْلٌ: وَالْمُسْتَحَبُّ تَفْرِقَةُ الصَّدَقَةِ فِي بَلَدِهَا، ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ الْقُرَى وَالْبُلْدَانِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ زَكَاتَهُ فِي الْقُرَى الَّتِي حَوْلَهُ مَا لَمْ تُقْصَرْ الصَّلَاةُ فِي أَثْنَائِهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>