للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُقَوَّمُ بِأَدْنَى النِّصَابَيْنِ مِنْ الْأَثْمَانِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي الزَّعْفَرَانِ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ. وَلَا أَعْلَمُ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ دَلِيلًا، وَلَا أَصْلًا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ.

وَيَرُدُّهَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» . وَإِيجَابُ الزَّكَاةِ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَاعْتِبَارُهُ بِغَيْرِهِ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ مَا يَجِبُ عُشْرُهُ، وَاعْتِبَارُهُ بِأَقَلَّ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ قِيمَةً لَا نَظِيرَ لَهُ أَصْلًا، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْعُرُوضِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي قِيمَتِهَا، تُؤَدَّى مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ بِهَا، وَالْقِيمَةُ يُرَدُّ إلَيْهَا كُلُّ الْأَمْوَالِ الْمُتَقَوِّمَاتِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ إلَيْهَا الرَّدُّ إلَى مَا لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِ شَيْءٌ أَصْلًا، وَلَا تُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْهُ، وَلِأَنَّ هَذَا مَالٌ تُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ، فَاعْتُبِرَ نِصَابُهُ بِنَفْسِهِ، كَالْحُبُوبِ، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الْأَرْضِ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ مَا يَجِبُ فِيهِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلَمْ يَجِبْ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيمَا ذَكَرُوهُ وَلَا إجْمَاعَ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُمَا.

فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقَالَ بِهِ، لِعَدَمِ دَلِيلِهِ. اهـ. انْتَهَى

[فَصْلُ الْحُكْمُ الثَّالِثُ الْعُشْرَ يَجِبُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ]

(١٨٣٢) فَصْلٌ: الْحُكْمُ الثَّالِثُ، أَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ، كَاَلَّذِي يَشْرَبُ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ، وَمَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُغْرَسُ فِي أَرْضٍ مَاؤُهَا قَرِيبٌ مِنْ وَجْهِهَا، فَتَصِلُ إلَيْهِ عُرُوقُ الشَّجَرِ، فَيَسْتَغْنِي عَنْ سَقْيٍ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَتْ عُرُوقُهُ تَصِلُ إلَى نَهْرٍ أَوْ سَاقِيَةٍ. وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِالْمُؤَنِ، كَالدَّوَالِي وَالنَّوَاضِحِ؛ لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعَثَرِيُّ: مَا تَسْقِيهِ السَّمَاءُ، وَتُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ: الْعِذْيَ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ الْمَاءُ الْمُسْتَنْقَعُ فِي بِرْكَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، يَصُبُّ إلَيْهِ مَاءُ الْمَطَرِ فِي سَوَاقٍ تُشَقُّ لَهُ، فَإِذَا اجْتَمَعَ سُقِيَ مِنْهُ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْعَاثُورِ، وَهِيَ السَّاقِيَةُ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ، لِأَنَّهَا يَعْثُرُ بِهَا مَنْ يَمُرُّ بِهَا. وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «وَفِيمَا يُسْقَى بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ» . وَالسَّوَانِي: هِيَ النَّوَاضِحُ، وَهِيَ الْإِبِلُ يُسْتَقَى بِهَا لِشِرْبِ الْأَرْضِ.

وَعَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِمَّا سَقَتْ السَّمَاءُ، أَوْ سُقِيَ بِعَلَا، الْعُشْرَ، وَمَا سُقِيَ بِدَالِيَةٍ نِصْفَ الْعُشْرِ» . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْبَعْلُ، مَا شَرِبَ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ. وَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ مَا سُقِيَ بِكُلْفَةٍ وَمُؤْنَةٍ، مِنْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ أَوْ دُولَابٍ أَوْ نَاعُورَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ، فَفِيهِ الْعُشْرُ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ لِلْكُلْفَةِ تَأْثِيرًا فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ جُمْلَةً، بِدَلِيلِ الْمَعْلُوفَةِ، فَبِأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِهَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْمَالِ النَّامِي، وَلِلْكُلْفَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>