للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ، فَقَالَ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ.» وَعَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ.» رَوَاهُنَّ مُسْلِمٌ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَعْرُكُ أَصَابِعَهُ بِخِنْصَرِهِ بَعْضَ الْعَرْكِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْغَسْلِ، فَإِنَّ الْمَمْسُوحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِيعَابِ وَالْعَرْكِ. وَأَمَّا الْآيَةُ، فَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: ٦] . قَالَ: عَادَ إلَى الْغَسْلِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَهَا كَذَلِكَ وَرَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ سَعِيدٌ، وَهِيَ قِرَاءَةُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْقُرَّاءِ، مِنْهُمْ ابْنُ عَامِرٍ، فَتَكُونُ مَعْطُوفَةً عَلَى الْيَدَيْنِ فِي الْغَسْلِ. وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْجَرِّ فَلِلْمُجَاوَرَةِ، كَمَا قَالَ وَأَنْشَدُوا:

كَأَنَّ ثَبِيرًا فِي عَرَانِينِ وَبْلِهِ ... كَبِيرُ أُنَاسٍ فِي بِجَادٍ مُزَمَّلِ

وَأَنْشَدَ:

وَظَلَّ طُهَاةُ اللَّحْمِ مِنْ بَيْنِ مُنْضِجٍ ... صَفِيفَ شِوَاءٍ أَوْ قَدِيرٍ مُعَجَّلِ

جَرَّ قَدِيرًا، مَعَ الْعَطْفِ لِلْمُجَاوَرَةِ.

وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [هود: ٢٦] . جَرَّ أَلِيمًا، وَهُوَ صِفَةُ الْعَذَابِ الْمَنْصُوبِ، لِمُجَاوَرَتِهِ الْمَجْرُورَ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ: جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِيهَا مُحْتَمَلًا وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى بَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ: «ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» . فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِالْغَسْلِ لَا بِالْمَسْحِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَسْحِ الْغَسْلَ الْخَفِيفَ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: الْعَرَبُ تُسَمِّي خَفِيفَ الْغَسْلِ مَسْحًا، فَيَقُولُونَ: تَمَسَّحْت لِلصَّلَاةِ. أَيْ تَوَضَّأْت.

وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ، وَتَحْدِيدُهُ بِالْكَعْبَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْغَسْلَ، فَإِنَّ الْمَسْحَ لَيْسَ بِمَحْدُودٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَطْفُهُ عَلَى الرَّأْسِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ حَقِيقَةَ الْمَسْحِ. قُلْنَا: قَدْ افْتَرَقَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا، أَنَّ الْمَمْسُوحَ فِي الرَّأْسِ شَعْرٌ يَشُقُّ غَسْلُهُ، وَالرِّجْلَانِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَهُمَا أَشْبَهُ بِالْمَغْسُولَاتِ.

وَالثَّانِي أَنَّهُمَا مَحْدُودَانِ بِحَدٍّ يَنْتَهِي إلَيْهِ، فَأَشْبَهَا الْيَدَيْنِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمَا مُعَرِّضَتَانِ لِلْخُبْثِ لِكَوْنِهِمَا يُوطَأُ بِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ، بِخِلَافِ الرَّأْسِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَوْسٍ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ. فَإِنَّمَا أَرَادَ الْغَسْلَ الْخَفِيفَ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>