للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِذَلِكَ قَالَ: أَخَذَ مِلْءَ كَفٍّ مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى قَدَمَيْهِ. وَالْمَسْحُ يَكُونُ بِالْبَلَلِ لَا بِرَشِّ الْمَاءِ. فَأَمَّا قَوْلُ الْخِرَقِيِّ: وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ. فَأَرَادَ أَنَّ الْكَعْبَيْنِ. هُمَا اللَّذَانِ فِي أَسْفَلِ السَّاقِ مِنْ جَانِبَيْ الْقَدَمِ. وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: هُمَا فِي مُشْطِ الْقَدَمِ، وَهُوَ مَعْقِدُ الشِّرَاكِ مِنْ الرِّجْلِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦] . فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي الرِّجْلَيْنِ كَعْبَيْنِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ أَرَادَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ كَانَتْ كِعَابُ الرِّجْلَيْنِ أَرْبَعَةً، فَإِنَّ لِكُلِّ قَدَمٍ كَعْبَيْنِ.

وَلَنَا: أَنَّ الْكِعَابَ الْمَشْهُورَةَ فِي الْعُرْفِ هِيَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْكَعْبُ الَّذِي فِي أَصْلِ الْقَدَمِ مُنْتَهَى السَّاقِ إلَيْهِ، بِمَنْزِلَةِ كِعَابِ الْقَنَا، كُلُّ عَقْدٍ مِنْهَا يُسَمَّى كَعْبًا. وَقَدْ رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الْجَدَلِيُّ، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ أَحَدُنَا يَلْزَقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَمَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ. رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَقَالَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَرُوِيَ «أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَرْمِي كَعْبَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى تُدْمِيَهُمَا.» وَمُشْطُ الْقَدَمِ أَمَامَهُ. وقَوْله تَعَالَى: إلَى الْكَعْبَيْنِ حُجَّةٌ لَنَا؛ فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنَّ كُلَّ رِجْلٍ تُغْسَلُ إلَى الْكَعْبَيْنِ، إذْ لَوْ أَرَادَ كِعَابَ جَمِيعِ الْأَرْجُلِ لَقَالَ: الْكِعَابَ، كَمَا قَالَ: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] .

[فَصْل إدْخَالُ الْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ]

(١٧٦) فَصْلٌ: وَيَلْزَمُهُ إدْخَالُ الْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ، كَقَوْلِنَا فِي الْمَرَافِقِ فِيمَا مَضَى.

[مَسْأَلَة الطَّهَارَةِ عُضْوًا بَعْدَ عُضْوٍ فِي الْوُضُوء]

(١٧٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَيَأْتِي بِالطَّهَارَةِ عُضْوًا بَعْدَ عُضْوٍ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا فِي الْآيَةِ وَاجِبٌ عِنْدَ أَحْمَدَ لَمْ أَرَ عَنْهُ فِيهِ اخْتِلَافًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَمَكْحُولٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِيمَنْ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ، فَرَأَى فِي لِحْيَتِهِ بَلَلًا: يَمْسَحُ رَأْسَهُ بِهِ، وَلَمْ يَأْمُرُوهُ بِإِعَادَةِ غَسْلِ رِجْلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>