للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلُ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ]

(١٨٨٣) فَصْلٌ: وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ. فَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا مُتَسَاوِيَةَ الْقِيَمِ، جَازَ أَنْ يُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِنْ أَحَدِهَا، كَمَا تُخْرَجُ مِنْ أَحَدِ نَوْعَيْ الْغَنَمِ. وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْقِيَمِ أَخَذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مَا يَخُصُّهُ. وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ أَوْسَطِهَا مَا يَفِي بِقَدْرِ الْوَاجِبِ وَقِيمَتِهِ، جَازَ. وَإِنْ أَخْرَجَ الْفَرْضَ مِنْ أَجْوَدِهَا بِقَدْرِ الْوَاجِبِ، جَازَ، وَلَهُ ثَوَابُ الزِّيَادَةِ. وَإِنْ أَخْرَجَهُ بِالْقِيمَةِ، مِثْلُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نِصْفِ دِينَارٍ ثُلُثَ دِينَارٍ جَيِّدٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى نِصْفِ دِينَارٍ، فَلَمْ يَجُزْ النَّقْصُ مِنْهُ.

وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ الْأَدْنَى، وَزَادَ فِي الْمُخْرَجِ مَا يَفِي بِقِيمَةِ الْوَاجِبِ، مِثْلُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ دِينَارٍ دِينَارًا وَنِصْفًا يَفِي بِقِيمَتِهِ، جَازَ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَ عَنْ الصِّحَاحِ مُكَسَّرَةً، وَزَادَ بِقَدْرِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَضْلِ، جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ عَلَيْهِ قِيمَةً وَقَدْرًا. وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ كَثِيرِ الْقِيمَةِ قَلِيلَ الْقِيمَةِ، فَكَذَلِكَ. فَإِنْ أَخْرَجَ بَهْرَجًا عَنْ الْجَيِّدِ، وَزَادَ بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي قِيمَةَ الْجَيِّدِ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجُوزُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ جَيِّدٍ، وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَعِيبِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ مَعِيبًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَ مَرِيضَةً عَنْ صِحَاحٍ.

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا: لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا أَخْرَجَ مِنْ الْمَعِيبِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ إخْرَاجُ الرَّدِيئَةِ عَنْ الْجَيِّدَةِ، وَالْمَكْسُورَةِ عَنْ الصَّحِيحَةِ، مِنْ غَيْرِ جُبْرَانٍ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ إذَا لَاقَتْ جِنْسَهَا فِيمَا فِيهِ الرِّبَا لَا قِيمَةَ لَهَا. وَلَنَا، أَنَّ الْجَوْدَةَ مُتَقَوِّمَةٌ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَتْلَفَ جَيِّدًا، لَمْ يُجْزِئْهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ رَدِيئًا، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْبُرْهُ بِمَا يُتِمُّ بِهِ قِيمَةَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧] .

وَلِأَنَّهُ أَخْرَجَ رَدِيئًا عَنْ جَيِّدٍ بِقَدْرِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا فِي الْمَاشِيَةِ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، فَلَمْ يَجُزْ النَّقْصُ فِي الصِّفَةِ، كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْقَدْرِ. وَأَمَّا الرِّبَا فَلَا يَجْرِي هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُخْرَجَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا رِبَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ، وَلِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَالْقَصْدُ مِنْ الزَّكَاةِ الْمُوَاسَاةُ، وَإِغْنَاءُ الْفَقِيرِ، وَشُكْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَدْخُلُ الرِّبَا فِيهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ أَخْرَجَ فِي الْمَاشِيَةِ رَدِيئَتَيْنِ عَنْ جَيِّدَةٍ، أَوْ أَخْرَجَ قَفِيزَيْنِ رَدِيئَيْنِ عَنْ قَفِيزٍ جَيِّدٍ، لَمْ يَجُزْ، فَلِمَ أَجَزْتُمْ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الصَّحِيحِ أَكْثَرَ مِنْهُ مُكَسَّرًا؟ قُلْنَا: يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي إخْرَاجِهِ عَيْبٌ سِوَى نَقْصِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْأَثْمَانِ الْقِيمَةُ لَا غَيْرُ، فَإِذَا تَسَاوَى الْوَاجِبُ وَالْمُخْرَجُ فِي الْقِيمَةِ وَالْقَدْرِ، جَازَ، وَسَائِرُ الْأَمْوَالِ يُقْصَدُ الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهَا، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّسَاوِي فِي الْأَمْرَيْنِ الْإِجْزَاءُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَفُوتَ بَعْضُ الْمَقْصُودِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>