للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ قَالَ: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: يَعْنِي: أَهْلُ الْخَيْرِ وَأَهْلُ الشَّرِّ دَرَجَاتٌ، وَقَالَ أَبُو عبيدةَ وَالْكِسَائِيُّ: مَنَازِلُ، يَعْنِي: مُتَفَاوِتُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ وَدَرَكَاتِهِمْ فِي النَّارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} الْآيَةَ [الْأَنْعَامِ:١٣٢] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} أَيْ: وسَيُوفيهم إِيَّاهَا، لَا يَظْلِمُهُمْ خَيْرًا وَلَا يَزِيدُهُمْ شَرًّا، بَلْ يُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ.

وَقَوْلُهُ: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أَيْ: مِنْ جِنْسِهِمْ لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ مُخَاطَبَتِهِ وَسُؤَالِهِ وَمُجَالَسَتِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ (١) لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الرُّومِ:٢١] أَيْ: مِنْ جِنْسِكُمْ. وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الْكَهْفِ:١١٠] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ} [الْفُرْقَانِ:٢٠] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يُوسُفَ:١٠٩] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الْأَنْعَامِ:١٣٠] فَهَذَا أَبْلَغُ فِي الِامْتِنَانِ أَنْ يَكُونَ الرُّسُلُ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ، بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمْ مُخَاطَبَتَهُ وَمُرَاجَعَتَهُ فِي فَهْم الْكَلَامِ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {وَيُزَكِّيهِمْ} أَيْ: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ لتزكُوَ نُفُوسُهُمْ وَتَطْهُرَ مِنَ الدَّنَسِ والخَبَث الَّذِي كَانُوا مُتَلَبِّسِينَ بِهِ فِي حَالِ شِرْكِهِمْ وَجَاهِلِيَّتِهِمْ (٢) {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ} أَيْ: مِنْ قَبْلِ هَذَا الرَّسُولِ {لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أَيْ: لَفِي غَي وَجَهْلٍ ظَاهِرٍ جَلِيٍّ بَيِّنٍ لكُل أَحَدٍ.

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥) }


(١) في جـ، ر، أ: "جعل".
(٢) في أ: "مشركهم وجاهلهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>