للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَن المَرْء لَا تَسْأل وسَلْ عَنْ قَرينه ... فكلُّ قَرِينٍ بِالْمَقَارَنِ يَقْتَدي (١)

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَومِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ [وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا] (٢) } أَيْ: وَأَيُّ شَيْءٍ يَكرثُهم لَوْ سَلَكُوا الطَّرِيقَ الْحَمِيدَةَ، وعَدَلُوا عَنِ الرِّيَاءِ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَرَجَاءِ مَوْعُودِهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ لِمَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ وَيَرْضَاهَا.

وَقَوْلُهُ: {وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا} أَيْ: وَهُوَ عَلِيمٌ بِنِيَّاتِهِمُ الصَّالِحَةِ وَالْفَاسِدَةِ، وَعَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ التَّوْفِيقَ مِنْهُمْ فَيُوَفِّقُهُ وَيُلْهِمُهُ رُشْدَهُ وَيُقَيِّضُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ يَرْضَى بِهِ عَنْهُ، وَبِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْخِذْلَانَ وَالطَّرْدَ عَنْ جَنَابِهِ الْأَعْظَمِ الْإِلَهِيِّ، الَّذِي مَنْ طُرِدَ عَنْ بَابِهِ فَقَدْ خَابَ وخَسِرَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ [بِلُطْفِهِ الْجَزِيلِ] (٣) .

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢) }

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْقَالَ حَبَّةِ خَرْدَلٍ وَلَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، بَلْ يُوَفِّيهَا بِهِ وَيُضَاعِفُهَا لَهُ إِنْ كَانَتْ حَسَنَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ [لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ] (٤) } [الْأَنْبِيَاءِ: ٤٧] وَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ لُقْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ [إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ] (٥) } [لُقْمَانَ: ١٦] وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ. فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْري، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الطويلِ، وَفِيهِ: فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "ارْجِعُوا، فَمَن وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مثقالَ حَبَّةِ (٦) خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجُوهُ مِنَ النَّارِ". وَفِي لَفْظٍ: "أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا" ثُمَّ يَقُولُ أَبُو سَعِيدٍ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا] (٧) } (٨) .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُس، عَنْ هارونَ بْنِ عَنْتَرَةَ (٩) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ قَالَ: قَالَ عبدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُود: يُؤْتَى بِالْعَبْدِ والأمَة يومَ القيامةِ، فَيُنَادِي منادٍ على رءوس الْأَوَّلِينَ والآخِرين: هَذَا فلانُ بنُ فلانٍ، مَنْ كان له حق فليأت إلى حقه.


(١) في أ: "مقتدي".
(٢) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(٣) زيادة من ر، أ.
(٤) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(٥) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية"
(٦) في ر، أ: "ذرة".
(٧) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(٨) صحيح البخاري برقم (٧٤٣٩) وصحيح مسلم برقم (١٨٣) .
(٩) في أ: "عنبرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>