للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] . (١) وَقَدْ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ، قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا طَرَفًا صَالِحًا فِي كِتَابِ "أَحَادِيثِ الْأُصُولِ"، وَمِنِ الْعُلَمَاءِ مَنِ ادَّعَى تَوَاتُرَ مَعْنَاهَا، وَالَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً تَحْرُم مُخَالَفَتُهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، بَعْدَ التَّرَوِّي وَالْفِكْرِ الطَّوِيلِ. وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الِاسْتِنْبَاطَاتِ وَأَقْوَاهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدِ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ وَاسْتَبْعَدَ الدِّلَالَةَ مِنْهَا عَلَى ذَلِكَ (٢) .

وَلِهَذَا تَوَعَّدَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} أَيْ: إِذَا سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَ جَازَيْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ، بِأَنْ نُحْسِّنَهَا فِي صَدْرِهِ وَنُزَيِّنَهَا لَهُ -اسْتِدْرَاجًا لَهُ -كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الْقَلَمِ: ٤٤] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصَّفِّ:٥] . وَقَوْلُهُ {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الْأَنْعَامِ: ١١٠] .

وَجَعْلَ النَّارَ مَصِيرَهُ فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّ مَنْ خَرَجَ عَنِ الْهُدَى لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَّا إِلَى النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ [وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ] (٣) } [الصَّافَّاتِ: ٢٢، ٢٣] . وَقَالَ: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الْكَهْفِ:٥٣] .

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (١١٨) وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا (١٢٠) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (١٢١) }


(١) زيادة من أ.
(٢) انظر: كلام الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة (ص ٤٧١) في إثبات حجية الإجماع ومناقشة الخصوم.
(٣) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".

<<  <  ج: ص:  >  >>