للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا يَحِلُّ لَنَا مِنَ الْمِيتَةِ؟ قَالَ: "مَا طَعَامُكُمْ؟ " قُلْنَا: نَغْتَبِقُ وَنَصْطَبِحُ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَسَّرَه لِي عُقْبَةُ: قَدَحُ غُدوة، وَقَدَحُ عَشيَّة (١) قَالَ: "ذَاكَ وَأَبِي الجُوعُ". وَأُحِلَّ لَهُمُ الْمَيْتَةُ عَلَى هَذِهِ (٢) الْحَالِ.

تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ (٣) وَكَأَنَّهُمْ كَانُوا يَصْطَبِحُونَ وَيَغْتَبِقُونَ شَيْئًا لَا يَكْفِيهِمْ، فَأَحلَّ لَهُمُ الْمَيْتَةَ لِتَمَامِ كِفَايَتِهِمْ، وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى جَوَازَ الْأَكْلِ مِنْهَا حَتَّى يَبْلُغَ حَدَّ الشِّبَعِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِسَدِّ الرَّمَق، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَة، أَنْ رَجُلًا نَزَلَ الحَرَّةَ، وَمَعَهُ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّ نَاقَةً لِي ضَلَّت، فَإِنْ وَجَدْتَهَا فَأَمْسِكْهَا، فَوَجَدَهَا وَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا، فَمَرِضَتْ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: انْحَرْهَا، فَأَبَى، فَنَفَقَتْ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: اسْلُخْهَا حَتَّى نُقدد شَحْمَها وَلَحْمَهَا فَنَأْكُلَهُ. فَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكَ غِنًى يُغْنِيك؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " فَكُلُوهَا". قَالَ: فَجَاءَ صَاحِبُهَا فَأَخْبَرَهُ (٤) الْخَبَرَ، فَقَالَ: هَلَّا كُنْتَ نَحَرْتَهَا؟ قَالَ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْكَ.

تَفَرَّدَ بِهِ (٥) وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُجوز الْأَكْلَ وَالشِّبَعَ، وَالتَّزَوُّدُ مِنْهَا مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الِاحْتِيَاجُ إِلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ} أَيْ: [غَيْرَ] (٦) مُتَعَاطٍ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبَاحَ ذَلِكَ لَهُ وَسَكَتَ عَنِ الْآخَرِ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْآيَةَ: ١٧٣] .

وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ لَا يَتَرَخَّصُ بِشَيْءٍ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تَنَالُ (٧) بِالْمَعَاصِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤) }

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا حَرَّمَهُ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنَ الْخَبَائِثِ الضَّارَّةِ لِمُتَنَاوِلِهَا، إِمَّا فِي بَدَنِه، أَوْ فِي دِينِهِ، أَوْ فِيهِمَا، وَاسْتَثْنَى مَا اسْتَثْنَاهُ فِي حَالَةِ (٨) الضَّرُورَةِ، كَمَا قَالَ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الْأَنْعَامِ: ١١٩] قَالَ بَعْدَهَا: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} كَمَا [قَالَ] (٩) فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الْآيَةَ: ١٥٧] .


(١) في أ: "عشوة".
(٢) في د، ر، أ: "هذا".
(٣) سنن أبي داود برقم (٢٨١٧) .
(٤) في د: "فأخبر".
(٥) سنن أبي داود برقم (٢٨١٧) .
(٦) زيادة من ر.
(٧) في أ: "لأن الترخص لا ينال".
(٨) في ر، أ: "في حال".
(٩) زيادة من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>