للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠) }

يَقُولُ تَعَالَى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أَيْ: دَعْهُمْ وَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَأَمْهِلْهُمْ قَلِيلًا فَإِنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَذَكِّرْ بِهِ} أَيْ: وَذَكِّرِ النَّاسَ بِهَذَا الْقُرْآنِ، وَحَذِّرْهُمْ نِقْمَةَ اللَّهِ وَعَذَابَهُ الْأَلِيمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقَوْلُهُ: {أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} أَيْ: لِئَلَّا تُبْسَلَ. قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وعِكْرِمة، وَالْحَسَنُ، والسُّدِّي: تُبْسَلَ: تُسْلَم.

وَقَالَ الْوَالِبِيُّ، عن ابن عباس: تفتضح. وَقَالَ قَتَادَةُ: تُحْبَس. وَقَالَ مُرَّة وَابْنُ زَيْدٍ تُؤاخذ. وقال الكلبيي: تُجَازَي (١)

وَكُلُّ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَحَاصِلُهَا الْإِسْلَامُ لِلْهَلَكَةِ، وَالْحَبْسُ عَنِ الْخَيْرِ، وَالِارْتِهَانُ عَنْ دَرْكِ الْمَطْلُوبِ، كَمَا قَالَ: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} [الْمُدَّثِّرِ: ٣٨، ٣٩] .

وَقَوْلُهُ: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} أَيْ: لَا قَرِيبَ وَلَا أَحَدَ يُشَفَّعُ فِيهَا، كَمَا قَالَ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الْبَقَرَةِ: ٢٥٤] .

وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} أَيْ: وَلَوْ بَذَلَتْ كُلَّ مَبْذُولٍ مَا قُبِلَ مِنْهَا كَمَا قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا [وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ] (٢) } [آلِ عمران: ٩١] ، وهكذا قال هاهنا: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}

{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٧١) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٧٣) }

قَالَ السُّدِّي: قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا، وَاتْرُكُوا دِينَ مُحَمَّدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا} أَيْ: فِي الْكُفْرِ {بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ} فَيَكُونُ مثلُنا مَثَلَ الَّذِي {اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ [حَيْرَانَ] } (٣) يَقُولُ: مَثَلُكُمْ، إِنْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ الْإِيمَانِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَ مَعَ قَوْمٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَضَلَّ الطَّرِيقَ، فَحَيَّرَتْهُ الشَّيَاطِينُ، وَاسْتَهْوَتْهُ فِي الْأَرْضِ، وَأَصْحَابُهُ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَعَلُوا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِمْ يَقُولُونَ: "ائْتِنَا فَإنَّا عَلَى الطَّرِيقِ"، فَأَبَى أَنْ


(١) في م، أ: "تجزي".
(٢) زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".
(٣) زيادة من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>