للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠) }

يَقُولُ تَعَالَى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ فَعَلُوا هَذِهِ الْأَفْعَالَ (١) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَخَسِرُوا أَوْلَادَهُمْ بِقَتْلِهِمْ، وَضَيَّقُوا عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، فَحَرَّمُوا أَشْيَاءَ ابْتَدَعُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَيَصِيرُونَ إِلَى شَرِّ الْمَنَازِلِ بِكَذِبِهِمْ عَلَى اللَّهِ وَافْتِرَائِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ. مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يُونُسَ: ٦٩، ٧٠] .

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيه فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (٢) قَالَ: إِذَا سَرَّك أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَالْمِائَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُنْفَرِدًا فِي كِتَابِ "مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ" مِنْ صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ عَارِمٍ، عَنْ أَبِي عوَانة -وَاسْمُهُ الوَضَّاح بْنُ عَبْدِ اللَّهِ اليَشْكُرِي -عَنْ أَبِي بِشْرٍ -وَاسْمُهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّة بْنِ إِيَاسٍ، بِهِ (٣) .

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١) وَمِنَ الأنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢) }

يَقُولُ تَعَالَى بَيَانًا لِأَنَّهُ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ، مِنَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالْأَنْعَامِ الَّتِي تَصَرَّفَ فِيهَا الْمُشْرِكُونَ بِآرَائِهِمُ الْفَاسِدَةِ وقسَّموها وجَزَّءوها، فَجَعَلُوا مِنْهَا حَرَامًا وَحَلَالًا فَقَالَ: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ}

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {مَعْرُوشَاتٍ} مَسْمُوكَاتٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: "الْمَعْرُوشَاتُ": مَعْرُوشَاتُ مَا عَرَّشَ النَّاسُ، {وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} مَا خَرَجَ فِي الْبَرِّ وَالْجِبَالِ مِنَ الثَّمَرَاتِ.

وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {مَعْرُوشَاتٍ} مَا عَرَّشَ مِنَ الْكَرْمِ {وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} مَا لَمْ يعرش من الكرم. وكذا قال السدي.


(١) في م: "صنعوا هذه الأفاعيل
(٢) في م: "عنه".
(٣) صحيح البخاري برقم (٣٥٢٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>