للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَاقُوتٍ. وَقِيلَ: مِنْ بَرَد وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ" (١)

ثُمَّ ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَلْقَى الْأَلْوَاحَ غَضَبًا عَلَى قَوْمِهِ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذَا قَوْلًا غَرِيبًا، لَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ إِلَى حِكَايَةِ قَتَادَةَ، وَقَدْ رَدّه ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ جَدِيرٌ بِالرَّدِّ، وَكَأَنَّهُ تَلَقَّاه قَتَادَةُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَفِيهِمْ كَذَّابُونَ ووَضّاعون وَأَفَّاكُونَ وَزَنَادِقَةٌ.

وَقَوْلُهُ: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} خَوْفًا أَنْ يَكُونَ قَدْ قَصَّر فِي نَهْيِهِمْ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي. قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه:٩٢-٩٤] وَقَالَ هَاهُنَا: {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أَيْ: لَا تَسُقني مَسَاقهم، وَلَا تَخْلُطْنِي مَعَهُمْ. وَإِنَّمَا قَالَ: {ابْنَ أُمَّ} ؛ لِتَكُونَ (٢) أَرْأَفَ وَأَنْجَعَ عِنْدَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ شَقِيقُهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ. فَلَمَّا تَحَقَّقَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَرَاءَةَ سَاحَةِ هَارُونَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (٣) كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} [طه:٩٠] فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ مُوسَى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَاحِ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ أَبِي بِشْر، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (٤) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَرْحَمُ (٥) اللَّهُ مُوسَى، لَيْسَ الْمُعَايِنُ كَالْمُخْبَرِ؛ أَخْبَرَهُ رَبُّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّ قَوْمَهُ فُتِنُوا بَعْدَهُ، فَلَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ، فَلَمَّا رَآهُمْ وَعَايَنَهُمْ أَلْقَى الْأَلْوَاحَ" (٦)

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) }

أَمَّا الْغَضَبُ الَّذِي نَالَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي عِبَادَةِ الْعِجْلِ، فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْبَلْ لَهُمْ تَوْبَةً، حَتَّى قَتَل بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [الْبَقَرَةِ:٥٤]

وَأَمَّا الذِّلَّةُ فَأَعْقَبَهُمْ ذَلِكَ ذُلًّا وَصَغَارًا (٧) فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} نَائِلَةٌ


(١) رواه أحمد في مسنده (١/٢٧١) من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: "ليس الخبر كالمعاينة إن الله، عز وجل، أخبر موسى بما صنع قومه في العجل، فلم يلق الألواح، فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت".
(٢) في ك، م: "ليكون".
(٣) زيادة من ك، أ.
(٤) في ك، أ: "رسول الله"
(٥) في م: "رحم".
(٦) ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٣٨٠) من طريق أبي بشر، بِهِ. وَقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يخرجاه" وفي تلخيص الذهبي: "سمعه من أبي بشر ثقتان".
(٧) في أ: "فأعقبهم ذل وصغار".

<<  <  ج: ص:  >  >>