للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَخْرَجًا. زَادَ مُجَاهِدٌ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فُرْقَانًا} نَجَاةً. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: نَصْرًا.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: {فُرْقَانًا} أَيْ: فَصْلًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.

وَهَذَا التَّفْسِيرُ مِنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَعَمُّ مِمَّا تَقَدَّمَ وَقَدْ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ كُلَّهُ؛ فَإِنَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ وَتَرْكِ زَوَاجِرِهِ، وُفِّقَ لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ نَصْرِهِ (١) وَنَجَاتِهِ وَمَخْرَجِهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، وَسَعَادَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتَكْفِيرِ ذُنُوبِهِ -وَهُوَ مَحْوُهَا -وَغَفْرُهَا: سَتْرُهَا عَنِ النَّاسِ -سَبَبًا لِنَيْلِ ثَوَابِ اللَّهِ الْجَزِيلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْحَدِيدِ: ٢٨] .

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠) }

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ: {لِيُثْبِتُوكَ} [أَيْ] : (٢) لِيُقَيِّدُوكَ.

وَقَالَ عَطَاءٌ، وَابْنُ زَيْدٍ: لِيَحْبِسُوكَ.

وَقَالَ السُّدِّيّ: "الْإِثْبَاتُ". هُوَ الْحَبْسُ وَالْوَثَاقُ.

وَهَذَا يَشْمَلُ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَهُوَ مَجْمَعُ الْأَقْوَالِ (٣) وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ صَنِيعِ مَنْ أَرَادَ غَيْرَهُ بِسُوءٍ.

وَقَالَ سُنَيْد، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، قَالَ عَطَاءٌ: سَمِعْتُ عُبَيْد بْنَ عُمَيْر يَقُولُ: لَمَّا ائْتَمَرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُثْبِتُوهُ أَوْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ، قَالَ لَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ: هَلْ تَدْرِي مَا ائْتَمَرُوا بِكَ؟ قَالَ: "يُرِيدُونَ أَنْ يَسْحَرُونِي (٤) أَوْ يَقْتُلُونِي أَوْ يُخْرِجُونِي"، فَقَالَ: مَنْ أَخْبَرَكَ (٥) بِهَذَا؟ قَالَ: "رَبِّي"، قَالَ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ، اسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا فَقَالَ: "أَنَا أَسْتَوْصِي بِهِ؟ ! بَلْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِي" (٦)

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبَصْرِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِالْوَسَاوِسِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي رَوَّاد (٧) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعةِ، أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَأْتَمِرُ بِكَ قَوْمُكَ؟ قَالَ: "يُرِيدُونَ أَنْ يَسْحَرُونِي (٨) أَوْ يَقْتُلُونِي أَوْ يُخْرِجُونِي". فَقَالَ: مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: "رَبِّي"، قَالَ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ، فَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا، "قَالَ: أَنَا أَسْتَوْصِي بِهِ؟! بَلْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِي". قَالَ: فَنَزَلَتْ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} الْآيَةَ (٩)


(١) في أ: "نصرته".
(٢) زيادة من أ.
(٣) في د: "وهذا يجمع الأقوال"، وفي ك، م: "وهو تجمع الأقوال".
(٤) في د: "يسجنونني"، وفي أ: "يسخروني".
(٥) في ك، م، أ: "خبرك".
(٦) رواه الطبري في تفسيره (١٣/٤٩٣) .
(٧) في د، م: "داود".
(٨) في د: "يسجنونني"، وفي أ: "يسخروني".
(٩) تفسير الطبري (١٣/٤٩٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>