للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنِ بْنُ [يَحْيَى بْنِ] (١) سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ (٢) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَر (٣) عَنْ عَوْنٍ قَالَ: هَلْ سَمِعْتُمْ بِمُعَاتِبَةٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا؟ بَدَأَ بِالْعَفْوِ قَبْلَ الْمُعَاتَبَةِ فَقَالَ: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} وَكَذَا قَالَ مُوَرِّق العِجْلي وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: عَاتَبَهُ كَمَا تَسْمَعُونَ، ثُمَّ أَنْزَلَ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ، فرخَّص لَهُ فِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ إِنْ شَاءَ: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [النُّورِ: ٦٢] وَكَذَا رُوي عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أُنَاسٍ قَالُوا: استأذِنُوا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ أَذِنَ لَكُمْ فَاقْعُدُوا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ فَاقْعُدُوا.

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} أَيْ: فِي إِبْدَاءِ الْأَعْذَارِ، {وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (٤) يَقُولُ تَعَالَى: هَلَّا تَرَكْتَهُمْ لَمَّا اسْتَأْذَنُوكَ، فَلَمْ تَأْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي الْقُعُودِ، لِتَعْلَمَ الصَّادِقَ مِنْهُمْ فِي إِظْهَارِ طَاعَتِكَ مِنَ الْكَاذِبِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا مُصِرِّينَ عَلَى الْقُعُودِ عَنِ الْغَزْوِ [وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ لَهُمْ فِيهِ. وَلِهَذَا أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْقُعُودِ عَنِ الْغَزْوِ] (٥) أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ} أَيْ: فِي الْقُعُودِ عَنِ الْغَزْوِ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} ؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ يَرَوْنَ الْجِهَادَ قُرْبَةً، وَلَمَّا نَدَبَهُمْ إِلَيْهِ بَادَرُوا وَامْتَثَلُوا. {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ} أَيْ: فِي الْقُعُودِ مِمَّنْ لَا عُذْرَ لَهُ {الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} أَيْ: لَا يَرْجُونَ ثَوَابَ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ} أَيْ: شَكَّتْ فِي صِحَّةِ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ، {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} أَيْ: يَتَحَيَّرُونَ، يُقَدِّمُون رِجْلًا وَيُؤَخِّرُونَ أُخْرَى، وَلَيْسَتْ لَهُمْ قَدَمٌ ثَابِتَةٌ فِي شَيْءٍ، فَهُمْ قَوْمٌ حَيَارَى هَلْكى، لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ، وَمَنْ يضلل الله فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا.

{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا وَلأوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) }

يَقُولُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ} أَيْ: مَعَكَ إِلَى الْغَزْوِ {لأعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} أَيْ: لَكَانُوا تَأَهَّبُوا لَهُ، {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} أَيْ: أَبْغَضَ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَكَ (٦) قَدرًا، {فَثَبَّطَهُمْ} أَيْ: أَخَّرَهُمْ، {وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} أَيْ: قدرًا.


(١) زيادة من الجرح والتعديل ٤/٢/٣٦٤. مستفادا من هامش ط. الشعب.
(٢) في أ: "الداري".
(٣) في أ: "مشرف".
(٤) في ت: "ويعلم".
(٥) زيادة من ت، ك، أ.
(٦) في ت، ك: "معكم".

<<  <  ج: ص:  >  >>