للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الْأَحْزَابِ:١٩] أَيْ: عَلَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِالْكَلَامِ الْحَادِّ الْقَوِيِّ فِي الْأَمْنِ، وَفِي الْحَرْبِ أَجْبَنُ شَيْءٍ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ (١)

أَفِي السِّلْمِ أَعْيَارًا جفَاءً وَغلْظَةً ... وَفي الحَرْب أشباهُ النّسَاءِ العَوارِكِ (٢)

وَقَالَ تَعَالَى (٣) فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نزلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ] [الْآيَةَ] (٤) [مُحَمَّدٍ:٢٠-٢٢] } (٥)

وَقَوْلُهُ: {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أَيْ: بِسَبَبِ (٦) نُكُولِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ وَالْخُرُوجِ مَعَ الرَّسُولِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، {فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} أَيْ: لَا يَفْهَمُونَ مَا فِيهِ صَلَاحٌ لَهُمْ فَيَفْعَلُوهُ، وَلَا مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ لَهُمْ فَيَجْتَنِبُوهُ.

{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩) }

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى ذَمَّ الْمُنَافِقِينَ، بيَّن ثَنَاءَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا لَهُمْ فِي آخِرَتِهِمْ، فَقَالَ: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا} إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ مِنْ بَيَانِ حَالِهِمْ وَمَآلِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: {وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ} أَيْ: فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، فِي جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَى.

{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٩٠) }

ثُمَّ بَيَّن تَعَالَى حَالَ ذَوِي الْأَعْذَارِ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ، الَّذِينَ جَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيُبَيِّنُونَ لَهُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ، وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ، وَهُمْ من أحياء العرب ممن حول المدينة.


(١) البيت في السيرة النبوية لابن هشام (١/٦٥٦) منسوبا إلى هند بنت عتبة، والأعيار: جميع عير وهو الحمار، والعوارك: هن الحوائض.
(٢) في أ: "العوازل".
(٣) في ت: "الله".
(٤) زيادة من ت، ك، أ.
(٥) زيادة من أ.
(٦) في ك: "بسببهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>