للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّارَ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ: قَالَ: "يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ" (١) تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦) }

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ومجاهدُ وعِكْرِمة، وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: هُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا، أَيْ: عَنِ التَّوْبَةِ، وَهُمْ: مَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، قَعَدُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي جُمْلَةِ مَنْ قَعَدَ، كَسَلًا وَمَيْلًا إِلَى الدَّعَة وَالْحِفْظِ وَطَيِّبِ الثِّمَارِ وَالظِّلَالِ، لَا شَكًّا وَنِفَاقًا، فَكَانَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ رَبَطوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي، كَمَا فَعَلَ أَبُو لُبابة وَأَصْحَابُهُ، وَطَائِفَةٌ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَهُمْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورُونَ، فَنَزَلَتْ تَوْبَةُ أُولَئِكَ قَبْلَ هَؤُلَاءِ، وَأَرْجَى هَؤُلَاءِ عَنِ التَّوْبَةِ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الْآتِيَةُ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ} الْآيَةَ [التَّوْبَةِ: ١١٧] ، {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ [وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ] } (٢) الْآيَةَ [التَّوْبَةِ: ١١٨] ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.

وَقَوْلُهُ: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} أَيْ: هُمْ تَحْتَ عَفْوِ اللَّهِ، إِنْ شَاءَ فَعَلَ بِهِمْ هَذَا، وَإِنْ شَاءَ فَعَلَ بِهِمْ ذَاكَ، وَلَكِنَّ رَحْمَتَهُ تَغْلِبُ غَضَبَهُ، وَهُوَ {عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أَيْ: عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْعَفْوَ، حَكِيمٌ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.


(١) المسند (٣/١٢٠) وقال الهيثمي في المجمع (٧/٢١١) : "ورجاله رجال الصحيح".
(٢) زيادة من ك.

<<  <  ج: ص:  >  >>