للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا} أَيْ: فِي السَّيْرِ إِلَى الأعداء {إِلا كُتِبَ لَهُمْ} ولم يقل ها هنا "بِهِ" لِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالٌ صَادِرَةٌ عَنْهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

وَقَدْ حَصَلَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ حَظٌّ وَافِرٌ، وَنَصِيبٌ عَظِيمٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَنْفَقَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ النَّفَقَاتِ الْجَلِيلَةَ، وَالْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ:

حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْعَنَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنِي سَكَن بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ فَرْقَدٍ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّاب السُّلَمِيِّ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَثَّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ، فَقَالَ عثمان بن عفان، رضي الله عنه: عليَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا. قَالَ: ثُمَّ حَثَّ، فَقَالَ عُثْمَانُ: عليَّ مِائَةٌ أُخْرَى بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا. قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ مرْقاة مِنَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ حَثَّ، فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: علىَّ مِائَةٌ أُخْرَى بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا. قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِيَدِهِ هَكَذَا -يُحَرِّكُهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الصَّمَدِ يَدَهُ كَالْمُتَعَجِّبِ: "مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذَا". (١)

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ضَمْرَة، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَوْذَب، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرة، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ حِينَ (٢) جَهَّز النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ قَالَ: فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ وَيَقُولُ: "مَا ضَرّ ابْنَ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ". يُرَدِّدُهَا مِرَارًا. (٣)

وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ} الْآيَةَ: مَا ازْدَادَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بُعْدًا إِلَّا ازْدَادُوا مِنَ اللَّهِ قُرْبًا.

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢) }

هَذَا بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَمَّا أَرَادَ مِنْ نَفير الْأَحْيَاءِ مَعَ الرَّسُولِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَإِنَّهُ قَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ النَّفِيرُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التَّوْبَةِ: ٤١] ، وَقَالَ: {مَا كَانَ لأهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} [التَّوْبَةِ: ١٢٠] ، قَالُوا: فنسخ ذلك بهذه الآية.


(١) زوائد المسند (٤/٧٥) ورواه الترمذي في السنن برقم (٣٧٠٠) من طريق السكن بن المغيرة به، وقال التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لا نعرفه إلا من حديث السكن بن المغيرة".
(٢) في ت، ك: "حتى".
(٣) زوائد المسند (٥/٦٣) ورواه الترمذي في السنن برقم (٣٧٠١) من طريق الحسن بن واقع عن ضمرة بن ربيعة به، وقال التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ".

<<  <  ج: ص:  >  >>