للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدُّنْيَا، وَلَكِنْ كُلٌّ مَشْغُولٌ بِنَفْسِهِ {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠١] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلا} [الْمَعَارِجِ: ١٠، ١٥] .

وَقَوْلُهُ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [الْمُرْسَلَاتِ: ١٥] . لِأَنَّهُمْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ. فَهَذِهِ هِيَ الْخَسَارَةُ الْعَظِيمَةُ، وَلَا خَسَارَةَ أَعْظَمُ مِنْ خَسارة مَنْ فُرّق بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ (١) يَوْمَ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ.

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٤٧) }

يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} أَيْ: نَنْتَقِمُ (٢) مِنْهُمْ فِي حَيَاتِكَ لِتَقَرَّ عينُك مِنْهُمْ، {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} أَيْ: مَصِيرُهُمْ ومتقَلَبهم، وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى أَفْعَالِهِمْ بَعْدَكَ.

وَقَدْ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مَكْرَمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ (٣) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عُرضت عَلَيَّ أُمَّتِي الْبَارِحَةَ لَدَى هَذِهِ الْحُجْرَةِ، أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عُرِضَ عَلَيْكَ مَنْ خُلِق، فَكَيْفَ مَنْ لَمْ يُخْلَقْ؟ فَقَالَ: "صُوِّروا لِي فِي الطِّينِ، حَتَّى إِنِّي لأعْرَفُ بِالْإِنْسَانِ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِصَاحِبِهِ". (٤)

وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَكْرَمٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْر، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، بِهِ نَحْوَهُ. (٥)

وَقَوْلُهُ: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

{قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ (٦) وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الزُّمَرِ: ٦٩] ، فَكُلُّ أُمَّةٍ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ بِحَضْرَةِ رَسُولِهَا، وكتابُ أَعْمَالِهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ موضوعٌ شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ، وَحَفَظَتُهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ شهودٌ أَيْضًا أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ. وَهَذِهِ الْأُمَّةُ الشَّرِيفَةُ وَإِنْ كَانَتْ آخِرَ الْأُمَمِ فِي الْخَلْقِ، إِلَّا أَنَّهَا أَوَّلُ الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ، وَيُقْضَى لَهُمْ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "نحن


(١) في ت، أ: "أخيه".
(٢) في ت: "ينتقم".
(٣) في جميع النسخ: "أبي السليل" والتصويب من المعجم الكبير للطبراني.
(٤) المعجم الكبير (٣/١٨١) .
(٥) المعجم الكبير (٣/١٨١) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٦٩) : "وفيه زياد بن المنذر وهو كذاب".
(٦) في ت، أ:"وهو خطأ".

<<  <  ج: ص:  >  >>