للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: ٦٧، ٦٩] ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ مُوسَى لَمَّا أَلْقَوْا: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي الدَّشْتَكِيّ -أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ لَيْث -وَهُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ -قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ شِفَاءٌ مِنَ السِّحْرِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، تُقْرَأُ فِي إِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِ الْمَسْحُورِ: الْآيَةُ الَّتِي مِنْ سُورَةِ يُونُسَ: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} وَالْآيَةُ الْأُخْرَى: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الْأَعْرَافِ: ١١٨ -١٢٢] ، وَقَوْلُهُ {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: ٦٩] .

{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) }

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعَ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ (١) الْبَيِّنَاتِ وَالْحُجَجِ الْقَاطِعَاتِ وَالْبَرَاهِينِ السَّاطِعَاتِ، إِلَّا قَلِيلٌ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ، مِنَ الذُّرِّيَّةِ -وَهُمُ الشَّبَابُ (٢) -عَلَى وَجِلٍ وَخَوْفٍ مِنْهُ وَمِنْ مَلَئه، أَنْ يَرُدُّوهُمْ إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ جَبَّارًا عَنِيدًا مُسْرِفًا فِي التَّمَرُّدِ وَالْعُتُوِّ، وَكَانَتْ (٣) لَهُ سَطْوة ومَهابة، تَخَافُ رَعِيَّتُهُ مِنْهُ خَوْفًا شَدِيدًا.

قَالَ الْعَوْفِيُّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} قَالَ: فَإِنَّ الذُّرِّيَّةَ الَّتِي آمَنَتْ لِمُوسَى، مِنْ أُنَاسٍ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ يَسِيرٌ، مِنْهُمْ: امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، وَخَازِنُ فِرْعَوْنَ، وَامْرَأَةُ خَازِنِهِ.

وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} يَقُولُ: بَنِي إِسْرَائِيلَ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ (الذُّرِّيَّةُ) : الْقَلِيلُ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} يَقُولُ: بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ: هُمْ أَوْلَادُ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى، مِنْ طُولِ الزَّمَانِ، وَمَاتَ آبَاؤُهُمْ.

وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلَ مُجَاهِدٍ فِي الذُّرِّيَّةِ: أَنَّهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ، لِعُودِ الضَّمِيرُ عَلَى أقرب المذكورين.


(١) في ت: "الإيمان".
(٢) في ت: "الشاب".
(٣) في ت: "فكانت".

<<  <  ج: ص:  >  >>