للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا كَانَتْ لَهُ كَبْوَة، غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَلَعْثَم" (١) أَيْ: مَا تَرَدَّدَ وَلَا تروَّى، لِأَنَّهُ رَأَى أَمْرًا جَلِيًّا عَظِيمًا وَاضِحًا، فَبَادَرَ إِلَيْهِ وَسَارَعَ.

وَقَوْلُهُمْ: {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} هَمْ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ عُمْي عَنِ الْحَقِّ، لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ: بَلْ هُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ، فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ يَعْمَهُونَ، وَهُمُ الْأَفَّاكُونَ الْكَاذِبُونَ، الْأَقَلُّونَ الْأَرْذَلُونَ، وَفِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ.

{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (٢٨) }

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نُوحٍ مَا ردَّ عَلَى قَوْمِهِ فِي ذَلِكَ: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} أَيْ: عَلَى يَقِينٍ وَأَمْرٍ جَلِيٍّ، وَنُبُوَّةٍ صَادِقَةٍ، وَهِيَ الرَّحْمَةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ اللَّهِ بِهِ وَبِهِمْ، {فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} أَيْ: خَفِيَتْ عَلَيْكُمْ، فَلَمْ تَهْتَدُوا إِلَيْهَا، وَلَا عَرَفْتُمْ قَدْرَهَا، بَلْ بَادَرْتُمْ إِلَى تكذيبها وردها، {أَنُلْزِمْكُمُوهَا} أي: نَغْضبكم (٢) بقبولها وأنتم لها كارهون.


(١) ذكره المؤلف في البداية والنهاية (٣/٢٧) عن ابن إسحاق وهو منقطع.
(٢) في ت: "نغصبكم".

<<  <  ج: ص:  >  >>