للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٣٩) }

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ أَوْحَى إِلَى نُوح لَمَّا اسْتَعْجَلَ قومُه نِقْمَةَ اللَّهِ بِهِمْ وَعَذَابَهُ لَهُمْ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ نوحُ دَعْوَتَهُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (١) مُخْبِرًا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نُوحٍ: ٢٦] ، {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [الْقَمَرِ: ١٠] ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} فَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا يَهُمَّنك أَمْرُهُمْ.

{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ} يَعْنِي: السَّفِينَةَ {بِأَعْيُنِنَا} أَيْ: بِمَرْأَى مِنَّا، {وَوَحْيِنَا} أَيْ: وَتَعْلِيمِنَا لَكَ مَاذَا تَصْنَعُهُ، {وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} .

فَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يغرِز (٢) الْخَشَبَ ويقطِّعه وَيُيَبِّسَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي مِائَةِ سَنَةٍ، ونَجَرها فِي مِائَةِ سَنَةٍ أُخْرَى، وَقِيلَ: فِي أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَاللَّهُ (٣) أَعْلَمُ.

وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ التَّوْرَاةِ: أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يَصْنَعَهَا مِنْ خَشَبِ السَّاجِ، وَأَنْ يَجْعَلَ طُولَهَا ثَمَانِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضَهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا.

وَأَنْ يَطْلِيَ بَاطِنَهَا وَظَاهِرَهَا بِالْقَارِ، وَأَنْ يَجْعَلَ لَهَا جُؤْجُؤًا أَزْوَرَ يَشُقُّ الْمَاءَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ طُولُهَا ثَلَاثَمِائَةِ ذِرَاعٍ، فِي عَرْضِ خَمْسِينَ.

وَعَنِ الْحَسَنِ: طُولُهَا سِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ وَعَرْضُهَا ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ.

وَعَنْهُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ: طُولُهَا أَلْفٌ وَمِائَتَا ذِرَاعٍ، فِي عَرْضِ سِتِّمِائَةٍ.

وَقِيلَ: طُولُهَا أَلْفَا ذِرَاعٍ، وَعَرْضُهَا مِائَةُ ذِرَاعٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالُوا كُلُّهُمْ: وَكَانَ ارْتِفَاعُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا، ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ، كُلُّ طَبَقَةٍ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، فَالسُّفْلَى لِلدَّوَابِّ وَالْوُحُوشِ: وَالْوُسْطَى لِلْإِنْسِ: وَالْعُلْيَا لِلطُّيُورِ. وَكَانَ بَابُهَا فِي عَرْضِهَا، وَلَهَا غِطَاءٌ مِنْ فَوْقِهَا مُطْبِقٌ عَلَيْهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ أَثَرًا غَرِيبًا، مِنْ حَدِيثِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَان، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْران، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ: لَوْ بَعَثْتَ لَنَا رَجُلًا شَهِدَ السَّفِينَةَ فَحَدَّثَنَا عَنْهَا. قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمْ حَتَّى أَتَى (٤) إِلَى كَثيب مِنْ تُرَابٍ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ بِكَفِّهِ، قَالَ (٥) أَتُدْرُونَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: هَذَا كَعْبُ (٦) حَامِ بْنِ نُوحٍ. قَالَ: وَضَرَبَ الْكَثِيبَ بِعَصَاهُ، قَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ ينفُض التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ، قَدْ شَابَ. قَالَ لَهُ


(١) في أ: "عز وجل".
(٢) في أ: "يغرس".
(٣) في ت: "والله".
(٤) في ت، أ: "انتهى".
(٥) في أ: "فقال".
(٦) في أ: "قبر".

<<  <  ج: ص:  >  >>