للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أَيْ] (١) الَّذِي وَلِى (٢) كُلَّ شَيْءٍ بِعزّ جَلَالِهِ، وَعَظَمَةِ (٣) سُلْطَانِهِ.

ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمَا أنَّ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا وَيُسَمُّونَهَا آلِهَةً، إِنَّمَا هُوَ جَهْلُ (٤) مِنْهُمْ، وَتَسْمِيَةٌ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، تَلَقَّاهَا خَلَفهم عَنْ سَلَفهم، وَلَيْسَ لِذَلِكَ مُسْتَنَدٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {مَا أَنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} أَيْ: حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ.

ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْحُكْمَ وَالتَّصَرُّفَ وَالْمَشِيئَةَ وَالْمُلْكَ كلَّه لِلَّهِ، وَقَدْ أَمَرَ عِبَادَهُ قَاطِبَةً أَلَّا يَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ، ثُمَّ قَالَ: ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أَيْ: هَذَا الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوحيد اللَّهِ، وَإِخْلَاصِ الْعَمَلِ لَهُ، هُوَ الدِّينُ الْمُسْتَقِيمُ، الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وأَنْزَلَ بِهِ الْحُجَّةَ وَالْبُرْهَانَ الَّذِي يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} أَيْ: فَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ. {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يُوسُفَ: ١٠٣] .

وَقَدْ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِنَّمَا عَدَلَ بِهِمْ يُوسُفُ عَنْ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا إِلَى هَذَا، لِأَنَّهُ عَرَف أَنَّهَا ضَارَّةٌ لِأَحَدِهِمَا، فَأَحَبَّ أَنْ يَشْغَلَهُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، لِئَلَّا يُعَاوِدُوهُ فِيهَا، فَعَاوَدُوهُ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمُ الْمَوْعِظَةَ. (٥)

وَفِي هَذَا الَّذِي قَالَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَعَدَهما أَوَّلًا بِتَعْبِيرِهَا (٦) وَلَكِنْ جَعَلَ سُؤَالَهُمَا لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالِاحْتِرَامِ وُصْلة وَسَبَبًا إِلَى دُعَائِهِمَا إِلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِسْلَامِ، لِمَا رَأَى فِي سَجِيَّتِهِمَا مِنْ قَبُولِ الْخَيْرِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَالْإِنْصَاتِ إِلَيْهِ، وَلِهَذَا لَمَّا فَرَغَ مِنْ دَعْوَتِهِمَا، شَرَعَ فِي تَعْبِيرِ رُؤْيَاهُمَا، مِنْ غَيْرِ تَكْرَارِ سؤال فقال:

{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (٤١) }

يقول لهما: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} وَهُوَ الَّذِي رَأَى أَنَّهُ يَعْصِرُ خَمْرًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يعينِّه لِئَلَّا يَحْزَنَ ذَاكَ، وَلِهَذَا أَبْهَمَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الَّذِي رَأَى أَنَّهُ يَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِهِ خُبْزًا.

ثُمَّ أَعْلَمَهُمَا أَنَّ هَذَا قَدْ فُرغ مِنْهُ، وَهُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبر، فَإِذَا عُبِّرَت وَقَعت.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا قَالَا مَا قَالَا وَأَخْبَرَهُمَا، قَالَا مَا رَأَيْنَا شَيْئًا. فَقَالَ: {قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}


(١) زيادة من ت، أ.
(٢) في ت، أ: "دل".
(٣) في ت، أ: "وعظيم".
(٤) في ت، أ: "جعل".
(٥) تفسير الطبري (١٦/١٠٢) .
(٦) في أ: "بتعبيرهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>