للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقُولُ تَعَالَى، إِخْبَارًا عَنْ يَعْقُوبَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّهُ أَمَرَ بَنِيهِ لَمَّا جَهَّزَهُمْ مَعَ أَخِيهِمْ بِنْيَامِينَ إِلَى مِصْرَ، أَلَّا يُدْخِلُوا كُلُّهُمْ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَلِيَدْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّي: إِنَّهُ خَشِيَ عَلَيْهِمُ الْعَيْنَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا ذَوِي جَمَالٍ وَهَيْئَةٍ حَسَنَةٍ، وَمَنْظَرٍ وَبَهَاءٍ، فَخَشِيَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَهُمُ النَّاسُ بِعُيُونِهِمْ؛ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ، تَسْتَنْزِلُ الْفَارِسَ عَنْ فَرَسِهِ.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخّعي فِي قَوْلِهِ: {وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} قَالَ: عَلِمَ أَنَّهُ سَيَلْقَى إِخْوَتَهُ فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ.

وَقَوْلِهِ: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} أَيْ: هَذَا الِاحْتِرَازُ لَا يَرُدُّ قَدَرَ اللَّهِ وَقَضَاءَهُ (١) ؛ فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا لَا يُخَالَفُ وَلَا يُمَانَعُ (٢) {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} قَالُوا: هِيَ دَفْعُ إِصَابَةِ الْعَيْنِ لَهُمْ، {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} قَالَ قَتَادَةُ وَالثَّوْرِيُّ: لَذُو عَمَلٍ بِعِلْمِهِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لَذُو عِلْمٍ لِتَعْلِيمِنَا إِيَّاهُ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) }

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى يُوسُفَ وَمَعَهُمْ أَخُوهُ شَقِيقُهُ بِنْيَامِينُ، فَأَدْخَلَهُمْ دَارَ كَرَامَتِهِ وَمَنْزِلَ ضِيَافَتِهِ، وَأَفَاضَ عَلَيْهِمُ الصِّلَةَ وَالْإِلْطَافَ وَالْإِحْسَانَ، وَاخْتَلَى بِأَخِيهِ فَأَطْلَعَهُ عَلَى شَأْنِهِ، وَمَا جَرَى لَهُ، وعَرّفه أَنَّهُ أَخُوهُ، وَقَالَ لَهُ: "لَا تَبْتَئِسْ" أَيْ: لَا تَأْسَفْ عَلَى مَا صَنَعُوا بِي، وَأَمَرَهُ بِكِتْمَانِ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَأَلَّا يُطْلِعَهُمْ عَلَى مَا أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ أَخُوهُ، وَتَوَاطَأَ مَعَهُ أَنَّهُ سَيَحْتَالُ عَلَى أَنْ يُبْقِيَهُ عِنْدَهُ، مُعزّزًا مكرما معظما.


(١) في ت: "قضاء الله وقدره".
(٢) في ت: "لا يمانع ولا يخالف".

<<  <  ج: ص:  >  >>