للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَفْسِيرُ سُورَةِ الرَّعْدِ

[وَهِيَ مَكِّيَّةٌ] (١)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (١) } (٢)

أَمَّا الْكَلَامُ عَلَى الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ (٣) فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وقَدَّمنا أَنَّ كُلَّ سُورَةٍ تَبتدأ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ فَفِيهَا الِانْتِصَارُ لِلْقُرْآنِ، وَتِبْيَانُ أَنْ نُزُولَهُ (٤) مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ وَلَا رَيْبَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} أَيْ: هَذِهِ آيَاتُ الْكِتَابِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: التَّوْارَةُ وَالْإِنْجِيلُ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، وَفِيهِ نَظَرٌ (٥) بَلْ هُوَ بَعِيدٌ.

ثُمَّ عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ عَطْفَ صِفَاتٍ قَوْلُهُ: {وَالَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ} أَيْ: يَا مُحَمَّدُ، {مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} خَبَرٌ تَقَدَّمُ مُبْتَدَؤُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَالَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُطَابِقُ لِتَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ. وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ زَائِدَةً أَوْ عَاطِفَةً صِفَةً (٦) عَلَى صِفَةٍ كَمَا قَدَّمْنَا، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِرُ:

إِلَى المَلك القَرْمِ وَابْنِ الهُمَام ... وَلَيث الْكَتِيبَةِ فِي المُزْدَحَمْ (٧)

وَقَوْلُهُ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} كَقَوْلِهِ: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يُوسُفَ: ١٠٣] أَيْ: مَعَ هَذَا الْبَيَانِ وَالْجَلَاءِ وَالْوُضُوحِ، لَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ لِمَا فِيهِمْ مِنَ الشِّقَاقِ وَالْعِنَادِ وَالنِّفَاقِ.

{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) }

يُخْبِرُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ: أَنَّهُ الَّذِي بِإِذْنِهِ وَأَمْرِهِ رَفَع السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عمَد، بَلْ بِإِذْنِهِ وَأَمْرِهِ (٨) وَتَسْخِيرِهِ رَفَعَهَا عَنِ الْأَرْضِ بُعدًا لَا تُنَالُ ولا يدرك مداها، فالسماء الدنيا محيطة


(١) زيادة من ت، أ.
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) في أ: "تقدم الكلام عليها".
(٤) في ت، أ: "أنه نزل".
(٥) في ت، أ: "وفيه تطويل".
(٦) في ت، أ: "لصفة".
(٧) البيت في تفسير الطبري (١٦/٣٢١) .
(٨) في ت، أ: "بل بأمره وبإذنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>