للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقُولُ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي مَنْ يَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ أَنَّ الَّذِي {أُنزلَ إِلَيْكَ} يَا مُحَمَّدُ {مِنْ رَبِّكَ} هوَ {الْحَقُّ} أَيِ: الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ وَلَا لَبْسَ فِيهِ وَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ، بَلْ هُوَ كُلُّهُ (١) حَقٌّ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، لَا يُضَادُّ شَيْءٌ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ، فَأَخْبَارُهُ كُلُّهَا حَقٌّ، وَأَوَامِرُهُ وَنَوَاهِيهِ عَدْلٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا} [الْأَنْعَامِ: ١١٥] أَيْ: صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ، وَعَدْلًا فِي الطَّلَبِ، فَلَا يَسْتَوِي مِنْ تَحَقَّقَ صِدْقَ (٢) مَا جِئْتَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ، وَمَنْ هُوَ أَعْمَى لَا يَهْتَدِي إِلَى خَيْرٍ وَلَا يَفْهَمُهُ، وَلَوْ فَهِمَهُ مَا انْقَادَ لَهُ، وَلَا صَدَّقَهُ وَلَا اتَّبَعَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الْحَشْرِ: ٢٠] وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} أَيْ: أَفَهَذَا كَهَذَا؟ لَا اسْتِوَاءَ. (٣)

وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ} أَيْ: إِنَّمَا يَتَّعِظُ وَيَعْتَبِرُ وَيَعْقِلُ أُولُو الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ الصَّحِيحَةِ (٤) جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ [بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ] . (٥)

{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (٢١) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) }

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَمَّنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ، بِأَنَّ لَهُمْ {عُقْبَى الدَّارِ} وَهِيَ الْعَاقِبَةُ وَالنُّصْرَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} وَلَيْسُوا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ إِذَا عَاهَدَ أَحَدُهُمْ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ.

{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} مِنْ صِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَحَاوِيجِ، وَبَذْلِ الْمَعْرُوفِ، {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} أَيْ: فِيمَا يَأْتُونَ وَمَا يَذْرُوَنَ مِنَ الْأَعْمَالِ، يُرَاقِبُونَ اللَّهَ فِي ذَلِكَ، وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ. فَلِهَذَا أَمْرُهُمْ عَلَى السَّدَادِ وَالِاسْتِقَامَةِ فِي جَمِيعِ حَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ وَجَمِيعِ أَحْوَالِهِمُ الْقَاصِرَةِ وَالْمُتَعَدِّيَةِ.

{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} أَيْ: عَنِ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ، فَفَطَمُوا (٦) نُفُوسَهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِلَّهِ عَزَّ


(١) في ت، أ: "كلمة".
(٢) في ت، أ: "صحة".
(٣) في ت، أ: "لا سواء".
(٤) في ت: "الصحيحة السليمة".
(٥) زيادة من أ.
(٦) في أ: "فعظموا".

<<  <  ج: ص:  >  >>