للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ}

يَقُولُ [تَعَالَى شَأْنُهُ] (١) {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ} يَا مُحَمَّدُ {غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} أَيْ: لَا تَحْسَبُهُ إِذْ (٢) أَنْظَرَهُمْ وَأَجَّلَهُمْ أَنَّهُ غَافِلٌ عَنْهُمْ مُهْمِلٌ لَهُمْ، لَا يُعَاقِبُهُمْ عَلَى صُنْعِهِمْ (٣) بَلْ هُوَ يُحْصِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَيَعُدُّهُ عَدًّا، أَيْ: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ} أَيْ: مِنْ شِدَّةِ الْأَهْوَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى كَيْفِيَّةَ قِيَامِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ وَمَجِيئِهِمْ إِلَى قِيَامِ الْمَحْشَرِ فَقَالَ: {مُهْطِعِينَ} أَيْ: مُسْرِعِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ [يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ] (٤) } [الْقَمَرِ: ٨] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طَهَ: ١٩٨ -١١١] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [الْمَعَارِجِ: ٤٣] .

وَقَوْلُهُ: {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: رَافِعِي رُءُوسِهِمْ.

{لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} أَيْ: [بَلْ] (٥) أَبْصَارُهُمْ طَائِرَةٌ شَاخِصَةٌ، يُدِيمُونَ النَّظَرَ لَا يَطْرِفُونَ لَحْظَةً لِكَثْرَةِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْهَوْلِ وَالْفِكْرَةِ وَالْمَخَافَةِ (٦) لِمَا يَحِلُّ بِهِمْ، عِيَاذًا بِاللَّهِ الْعَظِيمِ مِنْ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} أَيْ: وَقُلُوبُهُمْ خَاوِيَةٌ خَالِيَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ لِكَثْرَةِ [الْفَزَعِ وَ] (٧) الْوَجِلِ وَالْخَوْفِ. وَلِهَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ أَمْكِنَةَ أَفْئِدَتِهِمْ خَالِيَةٌ لِأَنَّ الْقُلُوبَ لَدَى الْحَنَاجِرِ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ أَمَاكِنِهَا مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {هَوَاءٌ} خَرَابٌ لَا تَعِي (٨) شَيْئًا.

وَلِشِدَّةِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى [بِهِ] (٩) عَنْهُمْ، قَالَ لِرَسُولِهِ: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} .

{فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمْثَالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (٤٦) }


(١) زيادة من أ.
(٢) في ت: "إذا".
(٣) في ت، أ: "صنيعهم".
(٤) زيادة من ت، أ، وفي هـ: "الآية".
(٥) زيادة من أ.
(٦) في ت: "والمخافة والفكرة".
(٧) زيادة من ت، أ.
(٨) في أ: "لا يعي".
(٩) زيادة من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>