للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ قَالَ (١) مُتَعَجِّبًا مِنْ كِبَرِهِ وَكِبَرِ زَوْجَتِهِ وَمُتَحَقِّقًا لِلْوَعْدِ: {أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُون} فَأَجَابُوهُ مُؤَكِّدِينَ لِمَا بَشَّرُوهُ بِهِ تَحْقِيقًا وَبِشَارَةً بَعْدَ بِشَارَةٍ، {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ} وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: "الْقَنِطِينَ" (٢) -فَأَجَابَهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ يَقْنَطُ، وَلَكِنْ يَرْجُو مِنَ اللَّهِ الْوَلَدَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ كَبِرَ وأسنَّت امْرَأَتُهُ، فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ.

{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (٦٠) }

يَقُولُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى: إِنَّهُ شرع يسألهم عما جاؤوا لَهُ، فَقَالُوا: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} يَعْنُونَ: قَوْمَ لُوطٍ. وَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ سَيُنَجُّونَ آلَ لُوطٍ مِنْ بَيْنِهِمْ إِلَّا امْرَأَتَهُ فَإِنَّهَا مِنَ الْمُهْلَكِينَ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: {إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} أَيِ: الْبَاقِينَ الْمُهْلَكِينَ.

{فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٦٤) }

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ لُوطٍ لَمَّا جَاءَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فِي صُورَةِ شَبَابٍ حسان الوجوه، فدخلوا عليه داره، قَالَ: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنْكَرُونَ قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ} يَعْنُونَ: بِعَذَابِهِمْ وَهَلَاكِهِمْ وَدَمَارِهِمُ الَّذِي كَانُوا يَشُكُّونَ فِي وُقُوعِهِ بِهِمْ، وَحُلُولِهِ بِسَاحَتِهِمْ، {وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا نُنزلُ الْمَلائِكَةَ إِلا بِالْحَقِّ} [الْحِجْرِ: ٨]

وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} تَأْكِيدٌ لِخَبَرِهِمْ (٣) إِيَّاهُ بِمَا أَخْبَرُوهُ بِهِ، مِنْ نَجَاتِهِ وَإِهْلَاكِ قَوْمِهِ، [وَاللَّهُ أَعْلَمُ] (٤)

{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦) }

يَذْكُرُ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ أَمَرُوهُ أَنْ يَسري بِأَهْلِهِ بَعْدَ مُضِيِّ جَانِبٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَنْ يَكُونَ لُوطٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَمْشِي وَرَاءَهُمْ، لِيَكُونَ أَحْفَظَ لَهُمْ.

وَهَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فِي الغَزاة بِمَا كَانَ يَكُونُ (٥) سَاقَةً، يُزجي الضَّعِيفَ، وَيَحْمِلُ الْمُنْقَطِعَ (٦)

وَقَوْلُهُ: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} أَيْ: إِذَا سَمِعْتُمُ الصَّيْحَةَ بِالْقَوْمِ فَلَا تلتفتوا إليهم، وذروهم فيما


(١) في ت، أ: "فقال".
(٢) في ت، أ: "المقنطين".
(٣) في ت: "بخبرهم".
(٤) زيادة من أ.
(٥) في ت: "في الغزو إنما كان"، وفي أ: "في الغزو وإنما يكون".
(٦) رواه أبو داود في السنن برقم (٢٦٣٩) من حديث جابر ولفظه: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف، ويردف، ويدعو لهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>