للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦) }

يَقُولُ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ} أَيُّهَا النَّاسُ {أُمَّةً وَاحِدَةً} (١) ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يُونُسَ: ٩٩] أَيْ: لَوَفَّقَ بَيْنَكُمْ. وَلَمَا جَعَلَ اخْتِلَافًا وَلَا تباغُضَ وَلَا شَحْنَاءَ {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هُودٍ: ١١٨، ١١٩] ، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: {وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ثُمَّ يَسْأَلُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ جَمِيعِ أَعْمَالِكُمْ، فَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا عَلَى الْفَتِيلِ وَالنَّقِيرِ والقطْمير.

ثُمَّ حَذَّرَ تَعَالَى عِبَادَهُ عَنِ (٢) اتِّخَاذِ الْأَيْمَانِ دَخَلًا أَيْ خَدِيعَةً وَمَكْرًا، لِئَلَّا تَزل قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا: مَثَلٌ لِمَنْ كَانَ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ فَحَادَ عَنْهَا وَزَلَّ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى، بِسَبَبِ الْأَيْمَانِ الْحَانِثَةِ (٣) الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، لِأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا رَأَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ عَاهَدَهُ ثُمَّ غَدَرَ بِهِ، لَمْ يَبْقَ لَهُ وُثُوقٌ بِالدِّينِ، فَانْصَدَّ بِسَبَبِهِ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا} أَيْ: لَا تَعْتَاضُوا عَنِ الْإِيْمَانِ بِاللَّهِ عَرَض الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا، فَإِنَّهَا قَلِيلَةٌ، وَلَوْ حِيزَتْ لِابْنِ آدَمَ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا لَكَانَ مَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَهُ، أَيْ: جَزَاءُ اللَّهِ وَثَوَابُهُ خَيْرٌ لِمَنْ رَجَاهُ وَآمَنَ بِهِ (٤) وَطَلَبَهُ، وَحَفِظَ عَهْدَهُ (٥) رَجَاءَ مَوْعُودِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ}


(١) في ت: "أمة واحدة أيها الناس".
(٢) في ت، ف: "من".
(٣) في ت: "الحادثة".
(٤) في ف: "خير لمن آمن به ورجاه".
(٥) في ف، أ: "عهد الله".

<<  <  ج: ص:  >  >>