للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا (٨٩) } .

يَذْكُرُ تَعَالَى نِعْمَتَهُ وَفَضْلَهُ الْعَظِيمَ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ الْكَرِيمِ، فِيمَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَطْرُقُ النَّاسَ رِيحٌ حَمْرَاءُ -يَعْنِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ -مِنْ قِبَلِ الشَّامِ، فَلَا يَبْقَى فِي مُصْحَفِ رَجُلٍ وَلَا فِي قَلْبِهِ آيَةٌ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الْآيَةَ.

ثُمَّ نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى شَرَفِ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ كُلُّهُمْ، وَاتَّفَقُوا (١) عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ مَا أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ، لَمَا أَطَاقُوا ذَلِكَ وَلَمَا اسْتَطَاعُوهُ، وَلَوْ تَعَاوَنُوا وَتَسَاعَدُوا وَتَظَافَرُوا، فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُسْتَطَاعُ، وَكَيْفَ يُشْبِهُ كَلَامُ الْمَخْلُوقِينَ (٢) كَلَامَ الْخَالِقِ، الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ، وَلَا مِثَالَ لَهُ، وَلَا عَدِيلَ لَهُ؟!

وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيدِ [بْنِ جُبَيْرٍ] (٣) أَوْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا نَأْتِيكَ بِمِثْلِ مَا جِئْتَنَا بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَسِيَاقُهَا كُلُّهُ مَعَ قُرَيْشٍ، وَالْيَهُودُ إِنَّمَا اجْتَمَعُوا بِهِ فِي الْمَدِينَةِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} أَيْ: بَيَّنَّا لَهُمُ الْحُجَجَ وَالْبَرَاهِينَ الْقَاطِعَةَ، وَوَضَّحْنَا لَهُمُ الْحَقَّ وَشَرَحْنَاهُ وَبَسَطْنَاهُ، وَمَعَ هَذَا {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا} أَيْ: جُحُودًا وَرَدًّا لِلصَّوَابِ.

{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنزلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا (٩٣) }


(١) في ت: "والقول".
(٢) في أ: "المخلوقين إلى".
(٣) زيادة من ف، أ، والطبري (١٥/١٠٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>