للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا (١٠٠) }

يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ (١) قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: لَوْ أَنَّكُمْ -أَيُّهَا النَّاسُ -تَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِي خَزَائِنِ اللَّهِ، لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ: أَيِ الْفَقْرِ أَيْ: خَشْيَةَ أَنْ تُذْهِبُوهَا (٢) ، مَعَ أَنَّهَا لَا تَفْرَغُ وَلَا تَنْفَدُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ طِبَاعِكُمْ وَسَجَايَاكُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: (وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ (٣) : أَيْ بَخِيلًا مَنُوعًا. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [النِّسَاءِ: ٥٣] أَيْ: لَوْ أَنَّ لَهُمْ نَصِيبًا فِي مُلْكِ اللَّهِ لَمَا أَعْطَوْا أَحَدًا شَيْئًا، وَلَا مِقْدَارَ نَقِيرٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَصِفُ الْإِنْسَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ، إِلَّا مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَهَدَاهُ؛ فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجَزَعَ وَالْهَلَعَ صِفَةٌ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلا الْمُصَلِّينَ} [الْمَعَارِجِ: ١٩ -٢٢] . وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، وَيَدُلُّ هَذَا عَلَى كَرَمِهِ (٤) وَجُودِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: "يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغيضُها نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغض مَا فِي يَمِينِهِ" (٥) .

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (١٠١) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (١٠٢) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (١٠٣) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (١٠٤) } .

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ بَعَثَ مُوسَى بِتِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، وَهِيَ الدَّلَائِلُ الْقَاطِعَةُ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ وَصِدْقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَمَّنْ أَرْسَلَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَهِيَ: الْعَصَا، وَالْيَدُ، وَالسِّنِينَ (٦) ، وَالْبَحْرُ، وَالطُّوفَانُ (٧) ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هِيَ الْيَدُ، وَالْعَصَا، وَالْخَمْسُ فِي الْأَعْرَافِ، والطَّمْسَة وَالْحَجَرُ.

وَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ: هِيَ يَدُهُ، وَعَصَاهُ، وَالسِّنِينَ، وَنَقْصُ الثَّمَرَاتِ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ.

وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ حَسَنٌ قَوِيٌّ. وَجَعَلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ "السِّنِينَ وَنَقْصَ الثَّمَرَاتِ" وَاحِدَةً، وَعِنْدَهُ أَنَّ التَّاسِعَةَ هِيَ: تَلَقُّفُ الْعَصَا مَا يَأْفِكُونَ. {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الأعراف: ١٣٣]


(١) في ف: "صلى الله عليه وسلم".
(٢) في أ: "تنبوها".
(٣) في ف، أ: "ومجاهد".
(٤) في ف: "كرم الله".
(٥) صحيح البخاري برقم (٧٤١٩) وصحيح مسلم برقم (٩٩٣)
(٦) في ت، ف، أ: ولسانه".
(٧) في ف، أ: "والطوفان والبحر".

<<  <  ج: ص:  >  >>