للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حُصَيْن، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} أَنْ تَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} الِاسْتِثْنَاءَ، فَاسْتَثْنِ إِذَا ذَكَرْتَ. وَقَالَ: هِيَ خَاصَّةٌ بِرَسُولِ (١) اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ إِلَّا فِي صِلَةٍ مِنْ يَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّد بِهِ الْوَلِيدُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ (٢) (٣) .

وَيَحْتَمِلُ فِي الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ أَرْشَدَ مَنْ نَسِيَ الشَّيْءَ فِي كَلَامِهِ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَنْشَؤُهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، كَمَا قَالَ فَتَى مُوسَى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الْكَهْفِ: ٦٣] وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، فَإِذَا ذَهَبَ الشَّيْطَانُ ذَهَبَ النِّسْيَانُ، فَذِكْرُ اللَّهِ سَبَبٌ لِلذِّكْرِ (٤) ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} .

وقوله: {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} أَيْ: إِذَا سئُلت عَنْ شَيْءٍ لَا تَعْلَمُهُ، فَاسْأَلِ اللَّهَ فِيهِ، وَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُوَفِّقَكَ لِلصَّوَابِ وَالرَّشَدِ [فِي ذَلِكَ] (٥) وقيل في تفسيره غَيْرُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (٢٥) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (٢٦) }

هَذَا خبَر مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِقْدَارِ مَا لَبِثَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ فِي كَهْفِهِمْ، مُنْذُ أَرْقَدَهُمُ اللَّهُ إِلَى أَنْ بَعَثَهُمْ وَأَعْثَرَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِقْدَارُهُ ثَلَاثَمِائَةِ [سَنَةٍ] (٦) وَتِسْعَ سِنِينَ بِالْهِلَالِيَّةِ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ بِالشَّمْسِيَّةِ، فَإِنَّ تَفَاوُتَ مَا بَيْنِ كُلِّ مِائَةِ [سَنَةٍ] (٧) بِالْقَمَرِيَّةِ إِلَى الشَّمْسِيَّةِ ثَلَاثُ سِنِينَ؛ فَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ: {وَازْدَادُوا تِسْعًا}

وَقَوْلُهُ: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} أَيْ: إِذَا سُئِلْتَ عَنْ لَبْثِهِمْ وَلَيْسَ عِنْدَكَ [عِلْمٌ] (٨) فِي ذَلِكَ وَتَوْقِيفٌ (٩) مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ (١٠) فَلَا تَتَقَدَّمْ فِيهِ بِشَيْءٍ، بَلْ قُلْ فِي مِثْلِ هَذَا: {اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أَيْ: لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا هُوَ أَوْ مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ خَلْقه، وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ، عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ كَمُجَاهِدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} هَذَا قَوْلُ أهل الكتاب،


(١) في ت: "يا رسول"؟، وفي ف: "لرسول".
(٢) في ف: "حصين".
(٣) المعجم الأوسط برقم (٣٣٥٧) "مجمع البحرين".
(٤) في ت: "سبب الذكر".
(٥) زيادة من ف، أ.
(٦) زيادة من أ.
(٧) زيادة من ف.
(٨) زيادة من ف.
(٩) في ت: "توفيق".
(١٠) في ت، ف: "تعالى".

<<  <  ج: ص:  >  >>