للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقُولُ: لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا [لِكَلِمَاتِ اللَّهِ] (١) ، وَالشَّجَرُ كُلُّهُ أَقْلَامٌ (٢) ، لَانْكَسَرَتِ الْأَقْلَامُ وَفَنِيَ مَاءُ الْبَحْرِ، وَبَقِيَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ قَائِمَةً لَا يُفْنِيهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْدُرَ قَدْرَهُ وَلَا يُثْنِيَ عَلَيْهِ كَمَا يَنْبَغِي، حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُثْنِي عَلَى نَفْسِهِ، إِنَّ رَبَّنَا كَمَا يَقُولُ وَفَوْقَ مَا نَقُولُ (٣) ، إِنَّ مَثَلَ نَعِيمِ الدُّنْيَا أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا فِي نَعِيمِ الْآخِرَةِ (٤) ، كَحَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فِي خِلَالِ الْأَرْضِ [كُلِّهَا] (٥) .

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠) } .

رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْكُوفِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ (٦) .

يَقُولُ لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٧) : {قُلْ} لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِرِسَالَتِكَ إِلَيْهِمْ: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} فَمَنْ زَعَمَ (٨) أَنِّي كَاذِبٌ، فَلْيَأْتِ بِمِثْلِ مَا جِئْتُ بِهِ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ فِيمَا (٩) أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مِنَ الْمَاضِي، عَمَّا سَأَلْتُمْ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَخَبَرِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، مِمَّا هُوَ مُطَابِقٌ (١٠) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لَوْلَا مَا أَطْلَعَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَنَا أُخْبِرُكُمْ {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ} الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ، {إِلَهٌ وَاحِدٌ} لَا شَرِيكَ لَهُ، {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} أَيْ: ثَوَابَهُ وَجَزَاءَهُ الصَّالِحَ، {فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا} ، مَا كَانَ مُوَافِقًا لِشَرْعِ اللَّهِ {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وَهُوَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهَذَانَ رُكْنَا الْعَمَلِ الْمُتَقَبَّلِ. لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِلَّهِ، صوابُا (١١) عَلَى شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (١٢) . وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الجَزَري، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَقِفُ الْمَوَاقِفَ أُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ، وَأُحِبُّ أَنْ يُرَى مَوْطِنِي. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا. حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} .

وَهَكَذَا أَرْسَلَ هَذَا مُجَاهِدٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.

وَقَالَ الْأَعْمَشُ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ أَبُو عُمَارَةَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشَب قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَقَالَ: أَنْبِئْنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا يُصَلِّي، يَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَد، وَيَصُومُ وَيَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ، وَيَتَصَدَّقُ وَيَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ، وَيَحُجُّ وَيَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ، فَقَالَ عُبَادَةُ: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: "أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ، فَمَنْ كَانَ لَهُ مَعِي شَرِيكٌ (١٣) فَهُوَ له كله، لا حاجة لي فيه". (١٤)


(١) زيادة من أ.
(٢) في أ: "والشجر أقلام كلها".
(٣) في ت، أ: "يقول".
(٤) في أ: "الجنة".
(٥) زيادة من ت، ف، أ.
(٦) المعجم الكبير (١٩/٣٩٢) وقال الهيثمي في المجمع (٧/١٤) : "رجاله ثقات".
(٧) في ت، ف، أ: "صلوات الله وسلامة عليه".
(٨) في ف، أ: "يزعم".
(٩) في أ: "مما".
(١٠) في ت، أ: "المطابق".
(١١) في ت:"صوابا حالصا له".
(١٢) زيادة من ف، أ.
(١٣) في أ: "شرك".
(١٤) تفسير الطبري (١٦/٣٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>