للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّارِ، هَذَا الْمَوْتُ الَّذِي كَانَ يُمِيتُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي ضِحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ وَلَا فِي أَسْفَلِ دَرْكٍ مِنْ جَهَنَّمَ، إِلَّا نَظَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يُذْبَحُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُنَادَى: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، هُوَ الْخُلُودُ أَبَدَ الْآبِدِينَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، هُوَ الْخُلُودُ أَبَدَ الْآبِدِينَ، فَيَفْرَحُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرْحَةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ مَيِّتًا مِنْ فَرَحٍ مَاتُوا، وَيَشْهَقُ أَهْلُ النَّارِ شَهْقَةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ مَيِّتًا مِنْ شَهْقَةٍ مَاتُوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ} يَقُولُ: إِذَا ذُبِحَ الْمَوْتُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَظَّمَهُ اللَّهُ وَحَذَّرَهُ عِبَادَهُ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَرَأَ: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزُّمَرِ: ٥٦]

وَقَوْلُهُ: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ الْخَالِقُ الْمَالِكُ الْمُتَصَرِّفُ، وَأَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ يَهْلَكُونَ وَيَبْقَى هُوَ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَلَا أَحَدَ يَدّعي مُلْكا وَلَا تَصَرُّفًا، بَلْ هُوَ الْوَارِثُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، الْبَاقِي بَعْدَهُمْ، الْحَاكِمُ فِيهِمْ، فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَلَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذَكَرَ هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ الْقَيْسِيُّ: حَدَّثَنَا حَزْمُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ القُطَعي قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ الْكُوفَةِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى خَلْقِهِ حِينَ خَلَقَهُمُ الْمَوْتَ، فَجَعَلَ مَصِيرَهُمْ إِلَيْهِ، وَقَالَ فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ الصَّادِقِ الَّذِي حَفِظَهُ بِعِلْمِهِ، وَأَشْهَدَ مَلَائِكَتَهُ عَلَى خَلْقِهِ: أَنَّهُ يَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٤١) إِذْ قَالَ لأبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (٤٢) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (٤٥) } .

يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١) : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ واتلُه عَلَى قَوْمِكَ، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَاذْكُرْ لَهُمْ مَا كَانَ مَنْ خَبَرِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ (٢) هُمْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ عَلَى مِلَّتِهِ، وَهُوَ (٣) كَانَ صَدِّيقًا نَبِيًّا -مَعَ أَبِيهِ-كَيْفَ نَهَاهُ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَقَالَ، {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} أَيْ: لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَدْفَعُ عَنْكَ ضَرَرًا.

{يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} : يَقُولُ: فَإِنْ كُنْتُ مِنْ صُلْبِكَ وَتَرَى أَنِّي أَصْغَرُ مِنْكَ، لِأَنِّي وَلَدُكَ، فَاعْلَمْ أَنِّي قَدِ اطَّلَعْتُ مِنَ الْعِلْمِ مِنَ اللَّهِ عَلَى مَا لَمْ تَعْلَمْهُ أَنْتَ وَلَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ وَلَا جَاءَكَ بَعْدُ، {فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} أَيْ: طَرِيقًا مُسْتَقِيمًا مُوَصِّلًا إِلَى نَيْلِ الْمَطْلُوبِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ الْمَرْهُوبِ.


(١) في ف: "صلوات الله وسلامه عليه".
(٢) في ف، ت: "الذي".
(٣) في: "وقد".

<<  <  ج: ص:  >  >>