للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِثْلَ الْيَعَاسِيبِ، وَأَنَّهُ يَقْتُلُ ذَلِكَ الشَّابَّ ثُمَّ يُحْيِيهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَهُولَةِ. وَقَدْ قَالَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: كَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ وَيَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَعْرِضُوا أَمْرَهُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَصَرَ اللَّيْثُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، بَلْ إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ وَيَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَعْرِضُوا أَمْرَهُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَدْ حَكَى فَخْرُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ: هَلِ الْمَأْمُورُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ خَاصٌّ بِمَلَائِكَةِ الأرض، أو عام بملائكة السماوات والأرض، وَقَدْ رَجَّحَ كُلًّا مِنَ الْقَوْلَيْنِ طَائِفَةٌ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْعُمُومُ: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلا إِبْلِيسَ} [الْحِجْرِ: ٣٠، ٣١، ص: ٧٣، ٧٤] ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ مُقَوِّيَةٌ لِلْعُمُومِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) }

يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَمَّا أَكْرَمَ بِهِ آدَمَ: بَعْدَ أَنْ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ (١) بِالسُّجُودِ لَهُ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ: إِنَّهُ أَبَاحَهُ الْجَنَّةَ يَسْكُنُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ، وَيَأْكُلُ مِنْهَا مَا شَاءَ (٢) رَغَدًا، أَيْ: هَنِيئًا وَاسِعًا طَيِّبًا.

وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيه، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الدَّامَغَانِيِّ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ مِيكَائِيلَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍ: قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَرَيْتَ آدَمَ، أَنَبِيًّا كَانَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، نَبِيًّا رَسُولًا كَلَّمَهُ اللَّهُ قِبَلا فَقَالَ: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} " (٣) .

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي أُسْكِنَهَا آدَمُ، أَهِيَ فِي السَّمَاءِ أَمْ فِي الْأَرْضِ؟ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ [وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا فِي الْأَرْضِ] (٤) ، وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ قَبْلَ دُخُولِ آدَمَ (٥) الْجَنَّةَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَيْثُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ مُعَاتَبَةِ إِبْلِيسَ، أَقْبَلَ عَلَى آدَمَ وَقَدْ عَلَّمه الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا، فَقَالَ: {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (٦) قَالَ: ثُمَّ أُلْقِيَتِ السِّنَةُ عَلَى آدَمَ -فِيمَا بَلَغَنَا عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ -ثُمَّ أَخَذَ ضِلعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ مِنْ شِقه الْأَيْسَرِ، وَلَأَمَ مَكَانَهُ لَحْمًا، وَآدَمُ نَائِمٌ لَمْ يَهُبَّ من


(١) في جـ، ط، ب، أ، و: "أمر ملائكته".
(٢) في جـ، ط: "ما يشاء".
(٣) ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (١/١٠) من طريق أبي عمر الشامي، عن عبيد الخشخاش، عن أبي ذر بنحوه، ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم (١٠١٦) من طريق جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أمامة، عن أبي ذر بنحوه، ورواه أحمد في المسند (٥/٢٦٥) مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أمامة مرفوعا بنحوه.
(٤) زيادة من جـ، ط، أ، و.
(٥) في ب، و: "آدم إلى".
(٦) في أ: "وما كنتم تكتمون".

<<  <  ج: ص:  >  >>