للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَرَكْنَاهُمْ لَكَ فِي الْجَنَّةِ، وَعَوَّضْنَاكَ مِثْلَهُمْ. قَالَ: لَا بَلِ اتْرُكْهُمْ لِي فِي الْجَنَّةِ. فتُركوا لَهُ فِي الْجَنَّةِ وَعُوِّضَ مِثْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا.

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْني، عَنْ نَوف البِكَالي قَالَ: أُوتِيَ أَجْرَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَأُعْطِيَ مِثْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا. قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ مُطَرَّفا، فَقَالَ: مَا عَرَفْتُ وَجْهَهَا قَبْلَ الْيَوْمِ.

وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} أَيْ: فَعَلْنَا بِهِ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ بِهِ، {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} أَيْ: وَجَعَلْنَاهُ فِي ذَلِكَ قُدْوَةً، لِئَلَّا يَظُنَّ أَهْلُ الْبَلَاءِ أَنَّمَا فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ (١) لِهَوَانِهِمْ عَلَيْنَا، وَلِيَتَأَسَّوْا بِهِ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَقْدُورَاتِ اللَّهِ وَابْتِلَائِهِ لِعِبَادِهِ بِمَا (٢) يَشَاءُ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ فِي ذَلِكَ.

{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦) } .

أَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَالْمُرَادُ بِهِ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ، وَكَذَلِكَ إِدْرِيسُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ (٣) وَأَمَّا ذُو الْكِفْلِ فَالظَّاهِرُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّهُ مَا قُرِنَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا وَهُوَ نَبِيٌّ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَكَانَ مَلِكًا عَادِلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا، وَتَوَقَّفَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي ذَلِكَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيج، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَذَا الْكِفْلِ} قَالَ: رَجُلٌ صَالِحٌ غَيْرُ نَبِيٍّ، تَكَفَّلَ لِنَبِيِّ قَوْمِهِ أَنْ يَكْفِيَهُ أَمْرَ قَوْمِهِ وَيُقِيمَهُمْ لَهُ وَيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَسُمي: ذَا الْكِفْلِ. وَكَذَا روَى ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيب، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَمَّا كَبُرَ الْيَسَعُ قَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَخْلَفْتُ رَجُلًا عَلَى النَّاسِ يَعْمَلُ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاتِي، حَتَّى أَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُ؟ فَجَمَعَ النَّاسَ، فَقَالَ: مَنْ يَتَقَبَّلُ مِنِّي بِثَلَاثٍ: أَسْتَخْلِفُهُ يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، وَلَا يَغْضَبُ. قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ تَزْدَرِيهِ الْعَيْنُ، فَقَالَ: أَنَا. فَقَالَ: أَنْتَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ، وَلَا تَغْضَبُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَرَدَّهُمْ (٤) ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَقَالَ مِثْلَهَا فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ، فَسَكَتَ النَّاسُ، وَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَقَالَ (٥) أَنَا. فَاسْتَخْلَفَهُ، قَالَ: وَجَعَلَ إِبْلِيسُ يَقُولُ لِلشَّيَاطِينِ: عَلَيْكُمْ بِفُلَانٍ. فَأَعْيَاهُمْ ذَلِكَ (٦) ، قَالَ: دَعُونِي (٧) وَإِيَّاهُ، فَأَتَاهُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ كَبِيرٍ فَقِيرٍ، فَأَتَاهُ حِينَ أَخَذَ مَضْجَعَهُ لِلْقَائِلَةِ


(١) في ف: "إنما فعل ذلك بهم".
(٢) في ف: "فيما".
(٣) انظر: تفسير الآيات: ٥٤-٥٧.
(٤) في ف، أ: "فيردهم".
(٥) في ف: "فقال"
(٦) في ف، أ: "ذلك الرجل".
(٧) في أ: "دعوني أنا وإياه".

<<  <  ج: ص:  >  >>