للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (١١١) قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١١٢) } .

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْرِكِينَ: {إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أَيْ: مُتَّبِعُونَ عَلَى ذَلِكَ، مُسْتَسْلِمُونَ مُنْقَادُونَ (١) لَهُ.

{فَإِنْ تَوَلَّوْا} أَيْ: تَرَكُوا مَا دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ، {فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ} أَيْ: أَعْلَمْتُكُمْ أَنِّي حَرْب لَكُمْ، كَمَا أَنَّكُمْ حَرْبٌ لِي، بَرِيءٌ مِنْكُمْ كَمَا أَنَّكُمْ بُرآء مِنِّي، كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [يُونُسَ: ٤١] . وَقَالَ {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الْأَنْفَالِ: ٥٨] : لِيَكُنْ (٢) عِلْمُكَ وَعِلْمُهُمْ بِنَبْذِ الْعُهُودِ عَلَى السَّوَاءِ، وَهَكَذَا هَاهُنَا، {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ} أَيْ: أَعْلَمْتُكُمْ بِبَرَاءَتِي مِنْكُمْ، وَبَرَاءَتِكُمْ مِنِّي؛ لِعِلْمِي بِذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} أَيْ: هُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لِي بِقُرْبِهِ وَلَا بِبُعْدِهِ، {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} أَيْ: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ جميعَه، وَيَعْلَمُ مَا يُظْهِرُهُ الْعِبَادُ وَمَا يُسِرُّونَ، يَعْلَمُ الظَّوَاهِرَ وَالضَّمَائِرَ، وَيَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، وَيَعْلَمُ مَا الْعِبَادُ عَامِلُونَ فِي أَجْهَارِهِمْ وَأَسْرَارِهِمْ، وَسَيَجْزِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ، عَلَى الْقَلِيلِ وَالْجَلِيلِ.

وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} أَيْ: وَمَا أَدْرِي لَعَلَّ هَذَا فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لَعَلَّ تَأْخِيرَ ذَلِكَ (٣) عَنْكُمْ فِتْنَةٌ لَكُمْ، وَمَتَاعٌ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى (٤) . وَحَكَاهُ عَوْنٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

{قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} أَيِ: افْصِلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا الْمُكَذِّبِينَ بِالْحَقِّ.

قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْأَنْبِيَاءُ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، يَقُولُونَ: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الْأَعْرَافِ: ٨٩] ، وَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ.

وَعَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَهِدَ قِتَالًا قَالَ: {رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} .

وَقَوْلُهُ: {وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} أَيْ: عَلَى مَا يَقُولُونَ وَيَفْتَرُونَ مِنَ الْكَذِبِ، وَيَتَنَوَّعُونَ فِي مَقَامَاتِ التَّكْذِيبِ والإفك، والله المستعان عليكم في ذلك (٥) .


(١) في ت: "متقاربين".
(٢) في ت: "لكن".
(٣) في أ: "هذا".
(٤) تفسير الطبري (١٧/٨٤) .
(٥) وقع في ت: "آخر تفسير "سورة الأنبياء" عليهم السلام، ولله الحمد والمنة، عفا الله لمن نظر فيه ولكاتبه وللمسلمين أجمعين".

<<  <  ج: ص:  >  >>