للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (٣١) } .

يَقُولُ تَعَالَى: هَذَا الَّذِي أَمَرْنَا بِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ، وَمَا لِفَاعِلِهَا مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ.

{وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} أَيْ: وَمَنْ يَجْتَنِبُ مَعَاصِيَهُ وَمَحَارِمَهُ وَيَكُونُ ارْتِكَابُهَا عَظِيمًا فِي نَفْسِهِ، {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} أَيْ: فَلَهُ عَلَى ذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَثَوَابٌ جَزِيلٌ، فَكَمَا عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ ثَوَابٌ جَزِيلٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ، وَكَذَلِكَ عَلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَ [اجْتِنَابِ] (١) الْمَحْظُورَاتِ.

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} قَالَ: الْحُرْمَةُ: مَكَّةُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيهِ كُلِّهَا. وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ.

وَقَوْلُهُ: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} أَيْ: أَحْلَلْنَا (٢) لَكُمْ جَمِيعَ الْأَنْعَامِ، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ، وَلَا سَائِبَةٍ، وَلَا وَصِيلَةٍ، وَلَا حَامٍ.

وَقَوْلُهُ: {إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} أَيْ: مِنْ تَحْرِيمِ {الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ [إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ] (٣) } الْآيَةَ [الْمَائِدَةِ: ٣] ، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَحَكَاهُ عَنْ قَتَادَةَ.

وَقَوْلُهُ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} : "مِنْ" هَاهُنَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ، أَيِ: اجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ. وَقَرَنَ الشِّرْكَ بِاللَّهِ (٤) بِقَوْلِ الزُّورِ، كَقَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الْأَعْرَافِ: ٣٣] ، وَمِنْهُ شَهَادَةُ الزُّورِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ أَبِي بَكْرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ -وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ:-أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ". فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سكت (٥) .


(١) زيادة من أ.
(٢) في ت: "أحلت".
(٣) زيادة من ت، ف، أ.
(٤) في أ: "به".
(٥) صحيح البخاري برقم (٢٦٥٤) وصحيح مسلم برقم (٨٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>