للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَان، عَنْ جَابِرٍ الجُعْفِي، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَمْلَى عليَّ رسولُ اللَّهِ هَذِهِ الآية: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {خَلْقًا آخَرَ} ، فَقَالَ مُعَاذٌ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: مِمَّ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "بِهَا خُتِمَتْ {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (١) .

جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الجُعْفِي ضَعِيفٌ جِدًّا، وَفِي خَبَرِهِ هَذَا نَكَارة شَديدة، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِنَّمَا كَتَبَ الْوَحْيَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ (٢) إِسْلَامُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ أَيْضًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ (٣) .

وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} يَعْنِي: بَعْدَ هَذِهِ النَّشْأَةِ الْأُولَى مِنَ الْعَدَمِ تَصيرون إِلَى الْمَوْتِ، {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} يَعْنِي: النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ، {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ} [الْعَنْكَبُوتِ:٢٠] يَعْنِي: يَوْمَ الْمَعَادِ، وَقِيَامَ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَادِ، فَيُحَاسِبُ الْخَلَائِقَ، وَيُوَفِّي كُلَّ عَامِلٍ عَمَلَهُ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ.

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (١٧) } .

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى خَلْق الْإِنْسَانِ، عَطَفَ بِذِكْرِ خَلْقِ السموات السبع، وكثيرًا ما يذكر تعالى خلق السموات وَالْأَرْضِ (٤) مَعَ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غَافِرٍ:٥٧] . وَهَكَذَا فِي أَوَّلِ {الم} السَّجْدَةِ، الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا [فِي] (٥) صَبِيحَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فِي أولها خَلْقُ السموات وَالْأَرْضِ، ثُمَّ بَيَانُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ، وَفِيهَا أَمْرُ الْمَعَادِ وَالْجَزَاءِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ.

فَقَوْلُهُ: {سَبْعَ طَرَائِقَ} : قَالَ مجاهد: يعني السموات السَّبْعَ، وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [الْإِسْرَاءِ: ٤٤] ، {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [نُوحٍ:١٥] ، {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنزلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطَّلَاقِ:١٢] . وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} أي: ويعلم مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا،


(١) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٣٣٦٧) "مجمع البحرين" عن أبي زرعة عن آدم بن إياس به وجابر الجعفي ضعيف.
(٢) في ف، أ: "وكذا".
(٣) في ف، أ: "والله أعلم".
(٤) في أ: "السبع".
(٥) زيادة من ف، أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>