للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْزَلَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ لَمْ يُهْلِكْ أُمَّةً بِعَامَّةٍ، بَلْ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ الْكَافِرِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الْقَصَصِ: ٤٣] .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:

{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) } .

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبَرًا عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، أَنَّهُ جَعَلَهُمَا آيَةً لِلنَّاسِ: أَيْ حُجَّةً قَاطِعَةً عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ، فَإِنَّهُ خَلَقَ آدَمَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ، وَخَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ذَكَرٍ بِلَا أُنْثَى، وَخَلَقَ عِيسَى مِنْ أُنْثَى بِلَا ذَكَرٍ، وَخَلَقَ بَقِيَّةَ النَّاسِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى.

وَقَوْلُهُ: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الرَّبْوَةُ: الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا يَكُونُ فِيهِ النَّبَاتُ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وقَتَادَةُ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَقَوْلُهُ: {ذَاتِ قَرَارٍ} يَقُولُ: ذَاتُ خِصْبٍ {وَمَعِينٍ} يَعْنِي: مَاءً ظَاهِرًا (١) .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: رَبْوَةٌ مُسْتَوِيَةٌ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: {ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} : اسْتَوَى الْمَاءُ فِيهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ: {وَمَعِينٍ} : الْمَاءُ الْجَارِي.

ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَكَانِ هَذِهِ الرَّبْوَةِ فِي أَيِّ أَرْضِ [اللَّهِ] (٢) هِيَ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: لَيْسَ الرُّبَى إِلَّا بِمِصْرَ. وَالْمَاءُ حِينَ يُرْسَلُ (٣) يَكُونُ الرُّبَى عَلَيْهَا الْقُرَى، وَلَوْلَا الرُّبَى غَرِقَتِ الْقُرَى.

وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّه نَحْوُ هَذَا، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} ، قَالَ: هِيَ دِمَشْقُ (٤) .

قَالَ: ورُوي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَالْحَسَنِ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَخَالِدِ بْنِ مَعْدان نَحْوُ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاك، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} قال: أنهار دمشق.


(١) في ف: "طاهرا".
(٢) زيادة من ف.
(٣) في ف: "يسيل".
(٤) في أ: "الدمشق".

<<  <  ج: ص:  >  >>