للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ يَقُولُهُنَّ عِنْدَ النَّوْمِ، مِنَ الْفَزَعِ: "بِسْمِ اللَّهِ، أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَمِنْ شَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ" قَالَ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يُعَلِّمُهَا مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ أَنْ يَقُولَهَا عِنْدَ نَوْمِهِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَنْ يَحْفَظَهَا، كَتَبَهَا لَهُ، فَعَلَّقَهَا فِي عُنُقِهِ.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ (١) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) } .

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالِ الْمُحْتَضِرِ عِنْدَ الْمَوْتِ، مِنَ الْكَافِرِينَ أَوِ الْمُفْرِطِينَ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وِقِيلِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَسُؤَالِهِمُ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا، لِيُصْلِحَ مَا كَانَ أَفْسَدَهُ فِي مُدَّةِ حَيَّاتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الْمُنَافِقُونَ: ١٠، ١١] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} [إِبْرَاهِيمَ:٤٤] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [الْأَعْرَافِ: ٥٣] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: ١٢] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الْأَنْعَامِ: ٢٧، ٢٨] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} [الشُّورَى:٤٤] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غَافِرٍ:١١، ١٢] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فَاطِرٍ: ٣٧] ، فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ الرَّجْعَةَ، فَلَا يُجَابُونَ، عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَيَوْمَ النُّشُورِ وَوَقْتَ الْعَرْضِ عَلَى الْجَبَّارِ، وَحِينَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ، وَهُمْ فِي غَمَرَاتِ عَذَابِ الْجَحِيمِ.

وَقَوْلُهُ: هَاهُنَا: {كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} : كَلَّا حَرْفُ رَدْعٍ وَزَجْرٍ، أَيْ: لَا نُجِيبُهُ إلى ما طلب ولا نقبل منه.


(١) المسند (٢/١٨١) وسنن أبي داود برقم (٣٨٩٣) وسنن الترمذي برقم (٣٥٢٨) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١٠٦٠١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>