للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥) }

يَقُولُ [اللَّهُ] (١) : {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} أَيُّهَا الْخَائِضُونَ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ، بِأَنْ قَبِلَ تَوْبَتَكُمْ وَإِنَابَتَكُمْ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَعَفَا عَنْكُمْ لِإِيمَانِكُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} ، مِنْ قَضِيَّةِ الْإِفْكِ، {عَذَابٌ عَظِيمٌ} . وَهَذَا فَيَمَنْ عِنْدَهُ إِيمَانٌ رَزَقَهُ اللَّهُ بِسَبَبِهِ التَّوْبَةَ إِلَيْهِ، كمِسْطَح، وَحَسَّانَ، وحَمْنةَ بِنْتِ جَحْشٍ، أُخْتِ زينبَ بِنْتِ جَحْشٍ. فَأَمَّا مَنْ خَاضَ فِيهِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ وَأَضْرَابِهِ، فَلَيْسَ أُولَئِكَ مُرَادِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مَا يُعَادِلُ هَذَا وَلَا مَا يُعَارِضُهُ. وَهَكَذَا شَأْنُ مَا يَرِدُ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَى فِعْلٍ مُعَيَّنٍ، يَكُونُ مُطْلَقًا مَشْرُوطًا بِعَدَمِ التَّوْبَةِ، أَوْ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ عَمَل صَالِحٍ يوازنُه أَوْ يَرجح عَلَيْهِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} قَالَ مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَيْ: يَرْوِيهِ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ، يَقُولُ هَذَا: سَمِعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ، وَقَالَ فَلَانٌ كَذَا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ كَذَا.

وَقَرَأَ آخَرُونَ " إِذْ تَلقُونَه بِأَلْسِنَتِكُمْ ". وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ (٢) وَتَقُولُ: هُوَ مِنْ وَلَق الْقَوْلِ. يَعْنِي: الْكَذِبَ الَّذِي يَسْتَمِرُّ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ (٣) ، تَقُولُ الْعَرَبَ: وَلَق فُلَانٌ فِي السَّيْرِ: إِذَا اسْتَمَرَّ فِيهِ (٤) ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى أَشْهَرُ، وَعَلَيْهَا الْجُمْهُورُ، وَلَكِنَّ الثَّانِيَةَ مَرْويَّة عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حدَّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ (٥) ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، [عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ: " إِذْ تَلقُونَه " وَتَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ وَلَق الْقَوْلِ -والوَلَق: الْكَذِبُ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ (٦) ] : هِيَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا.

وَقَوْلُهُ: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} أَيْ: تَقُولُونَ مَا لَا تَعْلَمُونَ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} أَيْ: تَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ فِي شَأْنِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَحْسَبُونَ ذَلِكَ يَسِيرًا [سَهْلًا] (٧) وَلَوْ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا كَانَ هَيِّنا، فَكَيْفَ وَهِيَ زَوْجَةُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، فَعَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُقَالَ فِي زَوْجَةِ رَسُولِهِ مَا قِيلَ! اللَّهُ يَغَارُ لِهَذَا، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لَا يُقَدِّر عَلَى زَوْجَةِ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ ذَلِكَ، حَاشَا وكَلا وَلَمَّا [لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ] (٨) فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا فِي سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَزَوْجَةِ سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟! وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ:


(١) زيادة من ف، أ.
(٢) صحيح البخاري برقم (٤١٤٤، ٤٧٥٢) .
(٣) في ف: "فيه".
(٤) صحيح البخاري برقم (٤١٤٤) .
(٥) في ف، أ: "نافع، عن ابن عمر".
(٦) زيادة من ف، أ.
(٧) زيادة من ف، أ.
(٨) زيادة من ف، أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>