للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِأَنْفَاسِهِمْ [فَدَخَلُوا الْبُيُوتَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَجْوَافَ الْبُيُوتِ، فَأَخَذَ بِأَنْفَاسِهِمْ] (١) فَخَرَجُوا مِنَ الْبُيُوتِ هِرَابًا إِلَى الْبَرِّيَّةِ، فَبَعَثَ اللَّهُ سَحَابَةً فَأَظَلَّتْهُمْ مِنَ الشَّمْسِ، فَوَجَدُوا لَهَا بَرْدًا وَلَذَّةً، فَنَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى إِذَا اجْتَمَعُوا تَحْتَهَا أَرْسَلَهَا (٢) اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَارًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَذَلِكَ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ، إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣) .

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} : أَيِ: الْعَزِيزُ فِي انْتِقَامِهِ مِنَ الْكَافِرِينَ، الرَّحِيمُ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.

{وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) } .

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: {وَإِنَّهُ} أَيِ: الْقُرْآنُ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ} [الْآيَةَ] . (٤) {لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ: أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ وَأَوْحَاهُ إِلَيْكَ.

{نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ} : وَهُوَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وقَتَادَةُ، وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَالسُّدِّيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَهَذَا مَا لَا نِزَاعَ فِيهِ.

قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ:٩٧] .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَنْ كَلَّمَهُ الرُّوحُ الْأَمِينُ لَا تَأْكُلُهُ (٥) الْأَرْضُ.

{عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [أَيْ: نَزَلَ بِهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ أَمِينٌ، ذُو مَكَانَةٍ عِنْدَ اللَّهِ، مُطَاعٌ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، {عَلَى قَلْبِكَ} يَا مُحَمَّدُ، سَالِمًا مِنَ الدَّنَسِ وَالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ؛ {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} ] (٦) أَيْ: لِتُنْذِرَ بِهِ بَأْسَ اللَّهِ وَنِقْمَتِهِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ وَكَذَّبَهُ، وَتُبَشِّرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ.

وَقَوْلُهُ: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} أَيْ: هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ [أَنْزَلْنَاهُ] (٧) بِلِسَانِكَ الْعَرَبِيِّ الْفَصِيحِ الْكَامِلِ الشَّامِلِ، لِيَكُونَ بَيِّنًا وَاضِحًا ظَاهِرًا، قَاطِعًا لِلْعُذْرِ، مُقِيمًا لِلْحُجَّةِ، دَلِيلًا إِلَى الْمَحَجَّةِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ العَتَكيّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الُمهَلَّبي، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي يَوْمِ دَجْن إِذْ قَالَ لَهُمْ: "كَيْفَ تَرَوْنَ بَوَاسِقَهَا؟ ". قَالُوا: مَا أَحْسَنَهَا وَأَشَدَّ تَرَاكُمَهَا. قَالَ: "فَكَيْفَ تَرَوْنَ قَوَاعِدَهَا؟ ". قَالُوا: مَا أَحْسَنَهَا وَأَشَدَّ تَمَكُّنَهَا. قَالَ: "فَكَيْفَ تَرَوْنَ جَوْنَها (٨) ؟ ". قَالُوا: مَا أَحْسَنَهُ وَأَشَدَّ سَوَادَهُ. قَالَ: "فَكَيْفَ تَرَوْنَ رَحَاهَا اسْتَدَارَتْ (٩) ؟ ". قَالُوا: مَا أَحْسَنَهَا وأشد


(١) زيادة من ف، أ، والطبري.
(٢) في ف، أ: "أرسل".
(٣) تفسير الطبري (١٩/٦٧) .
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) في ف: "لا يأكله".
(٦) زيادة من ف، أ.
(٧) زيادة من ف، أ.
(٨) في ف، أ: "حرنا".
(٩) في ف: "رحلها استدار".

<<  <  ج: ص:  >  >>