للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِ، لِأَنَّا وَددْنا أَنْ نَكُونَ مَثَلَهُ.

{وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} يَعْنُونَ: أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا، وَلَا يُفْلِحُ الْكَافِرُ عِنْدَ اللَّهِ، لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ النُّحَاةُ في معنى قوله تعالى [ها هنا] (١) : {وَيْكَأَنَّ} ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهَا: "وَيْلَكَ اعْلَمْ أَنَّ"، وَلَكِنْ خُفّفت فَقِيلَ: "وَيْكَ"، ودلَّ فَتْحُ "أَنَّ" عَلَى حَذْفِ "اعْلَمْ". وَهَذَا الْقَوْلُ ضعَّفه ابْنُ جَرِيرٍ (٢) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوِيٌّ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا كِتَابَتُهَا فِي الْمَصَاحِفِ مُتَّصِلَةً "وَيْكَأَنَّ". وَالْكِتَابَةُ أَمْرٌ وَضْعِيٌّ اصْطِلَاحِيٌّ، وَالْمَرْجِعُ إِلَى اللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقِيلَ: مَعْنَاهَا: وَيْكَأَنَّ، أَيْ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ. قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهَا "وَيْ كَأَنَّ"، فَفَصَلَهَا وَجَعَلَ حَرْفَ "وَيْ" (٣) لِلتَّعَجُّبِ أَوْ لِلتَّنْبِيهِ، وَ"كَأَنَّ" بِمَعْنَى "أَظُنُّ وَأَحْسَبُ". قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَقْوَى الْأَقْوَالِ فِي هَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ (٤) :

سَألَتَاني الطَّلاق أنْ رَأتَاني ... قَلّ مَالي، وقَدْ جئْتُمَاني بِنُكر ...

وَيْكأنْ مَنْ يكُن لَهُ نَشَب يُحْ ... بَبْ وَمَنْ يَفْتقر يَعش عَيشَ ضُرّ ...

{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤) } .

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَنَعِيمَهَا الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، جَعَلَهَا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَاضِعِينَ، الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ، أَيْ: تَرَفُّعًا عَلَى خَلْقِ اللَّهِ وَتَعَاظُمًا عَلَيْهِمْ وَتَجَبُّرًا بِهِمْ، وَلَا فَسَادًا فِيهِمْ. كَمَا قَالَ عِكْرِمَةُ: الْعُلُوُّ: التَّجَبُّرُ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْعُلُوُّ: الْبَغْيُ.

وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُسْلِمٍ (٥) الْبَطِينِ: الْعُلُوُّ فِي الْأَرْضِ: التَّكَبُّرُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَالْفَسَادُ: أَخْذُ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج: {لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ} تَعَظُّمًا وَتَجَبُّرًا (٦) ، {وَلا فَسَادًا} : عَمَلًا بِالْمَعَاصِي.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيع، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَشْعَثَ السَّمَّانِ (٧) ، عَنْ أَبَى سَلَّامٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُعْجِبُهُ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ أَنْ يَكُونَ أَجْوَدَ مِنْ شِرَاكِ صَاحِبِهِ، فَيَدْخُلُ (٨) فِي قَوْلِهِ: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} .


(١) زيادة من ت، ف، أ.
(٢) تفسير الطبري (٢٠/٧٧) .
(٣) في أ: "أي".
(٤) هو زيد بن عمرو بن نفيل، والبيت في تفسير الطبري (٢٠/٧٧) .
(٥) في أ: "سالم".
(٦) في ف: "ولا تجبرا".
(٧) في أ: "أشعب السماك".
(٨) في أ: "فدخل".

<<  <  ج: ص:  >  >>