للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} ، بَلِ الْعِلْمُ بِأَنَّكَ مَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِ هَذَا الْكِتَابِ كِتَابًا وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ، آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعَلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (١) . وَنَقَلَهُ عَنْ قَتَادَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ. وَحَكَى الْأَوَّلَ عَنِ الْحَسَنِ [الْبَصْرِيِّ] (٢) فَقَطْ.

قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ} أَيْ: مَا يُكَذِّبُ بِهَا وَيَبْخَسُ حَقَّهَا وَيَرُدُّهَا إِلَّا الظَّالِمُونَ، أَيِ: الْمُعْتَدُونَ الْمُكَابِرُونَ، الَّذِينَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَيَحِيدُونَ عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ} [يُونُسَ: ٩٦، ٩٧] .

{وَقَالُوا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٥٢) } .

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي تَعَنُّتِهِمْ وَطَلَبِهِمْ آيَاتٍ -يَعْنُونَ -تُرْشِدُهُمْ إِلَى أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ كَمَا جَاءَ صَالِحٌ بِنَاقَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ} يَا مُحَمَّدُ: {إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} أَيْ: إِنَّمَا أَمْرُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّكُمْ تَهْتَدُونَ لَأَجَابَكُمْ إِلَى سُؤَالِكُمْ؛ لَأَنَّ ذَلِكَ سَهْلٌ عَلَيْهِ، يَسِيرٌ لَدَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يَعْلَمُ مِنْكُمْ أَنَّمَا قَصْدُكُمُ التَّعَنُّتُ وَالِامْتِحَانُ، فَلَا يُجِيبُكُمْ إِلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} [الْإِسْرَاءِ: ٥٩] .

وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أَيْ: إِنَّمَا بُعِثْتُ نَذِيرًا لَكُمْ بَيِّنَ النِّذَارَةِ فَعَليَّ أَنْ أُبَلِّغَكُمْ رِسَالَةَ اللَّهِ وَ {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الْكَهْفِ: ١٧] ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [الْبَقَرَةِ: ٢٧٢] .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُبَيِّنًا كَثْرَةَ جَهْلِهِمْ، وَسَخَافَةَ عَقْلِهِمْ، حَيْثُ طَلَبُوا آيَاتٍ تَدُلُّهُمْ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ فِيمَا جَاءَهُمْ [بِهِ] (٣) -وَقَدْ جَاءَهُمْ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مُعْجِزَةٍ، إِذْ عَجَزَتِ الْفُصَحَاءُ وَالْبُلَغَاءُ عَنْ مُعَارَضَتِهِ، بَلْ عَنْ مُعَارَضَةِ عَشْرِ سُورٍ مِنْ مَثَلِهِ، بَلْ عَنْ مُعَارَضَةِ سُورَةٍ مِنْهُ -فَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} أَيْ: أَوْلَمَ يَكْفِهِمْ آيَةً أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ هَذَا الْكِتَابَ الْعَظِيمَ، الَّذِي فِيهِ خَبَرُ مَا قَبْلَهُمْ، وَنَبَأُ مَا بَعْدَهُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَهُمْ، وَأَنْتَ رَجُلٌ أُمِّيٌّ لَا تَقْرَأُ وَلَا تَكْتُبُ، وَلَمْ تُخَالِطْ أَحَدًا


(١) تفسير الطبري (٢١/٥) .
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) زيادة من ف.

<<  <  ج: ص:  >  >>