للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير (١) ، عَنِ ابن عباس قال: تَدْرُونَ مَا {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} ؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: هِيَ السُّفُنُ، جُعِلَتْ مِنْ بَعْدِ سَفِينَةِ نُوحٍ عَلَى مِثْلِهَا.

وَكَذَا قَالَ [غَيْرُ وَاحِدٍ وَ] (٢) أَبُو مَالِكٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالسُّدِّيُّ أَيْضًا: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (٣) {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} : أَيِ السُّفُنَ.

ويُقَوِّي هَذَا الْمَذْهَبَ فِي الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الْحَاقَّةِ:١١، ١٢] .

وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ} يَعْنِي: الَّذِينَ فِي السُّفُنِ، {فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} أَيْ: فَلَا مُغِيثَ لَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ، {وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ} أَيْ: مِمَّا أَصَابَهُمْ. {إِلا رَحْمَةً مِنَّا} وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، تَقْدِيرُهُ: وَلَكِنْ بِرَحْمَتِنَا نُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، ونُسَلِّمكم إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} أَيْ: إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ اللَّهِ.

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) }

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ تَمَادِي الْمُشْرِكِينَ فِي غَيِّهِمْ وَضَلَالِهِمْ، وَعَدَمِ اكْتِرَاثِهِمْ بِذُنُوبِهِمُ الَّتِي أَسْلَفُوهَا، وَمَا هُمْ يَسْتَقْبِلُونَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} قَالَ مُجَاهِدٌ: مِنَ الذُّنُوبِ. وَقَالَ غَيْرُهُ بِالْعَكْسِ، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أَيْ: لَعَلَّ اللَّهَ بِاتِّقَائِكُمْ ذَلِكَ يَرْحَمُكُمْ وَيُؤَمِّنُكُمْ مِنْ عَذَابِهِ. وَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُمْ لَا يُجِيبُونَ إِلَى ذَلِكَ وَيُعْرِضُونَ عَنْهُ. وَاكْتَفَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} أَيْ: عَلَى التَّوْحِيدِ وَصِدْقِ الرُّسُلِ {إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} أَيْ: لَا يَتَأَمَّلُونَهَا وَلَا يَنْتَفِعُونَ (٤) بِهَا.

وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} أَيْ: وَإِذَا أُمِرُوا بِالْإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَحَاوِيجِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ: عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْفُقَرَاءِ، أَيْ: قَالُوا لِمَنْ أَمْرُهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِنْفَاقِ مُحَاجِّينَ لَهُمْ فِيمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ: {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} أَيْ: وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُمُونَا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ، لَوْ شَاءَ اللَّهُ لِأَغْنَاهُمْ وَلَأَطْعَمَهُمْ مِنْ رِزْقِهِ، فَنَحْنُ نُوَافِقُ مَشِيئَةَ اللَّهِ فِيهِمْ، {إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أَيْ: فِي أَمْرِكُمْ لَنَا بِذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ لِلْكُفَّارِ حِينَ نَاظَرُوا الْمُسْلِمِينَ (٥) وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: {إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (٦) ، وفي هذا نظر.


(١) في ت: "وروى ابن جرير بإسناده".
(٢) زيادة من ت.
(٣) زيادة من أ.
(٤) في أ: "ولا يشعرون".
(٥) في أ: "المؤمنين".
(٦) تفسير الطبري (٢٣/٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>