للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَمَّا تَمَنَّى أَهْلُ الْجَرَائِمِ العَودَ إِلَى الدُّنْيَا، وَتَحَسَّرُوا عَلَى تَصْدِيقِ آيَاتِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ رُسُلِهِ، قَالَ [اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى] (١) {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (٢) أَيْ: قَدْ جَاءَتْكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ النَّادِمُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ (٣) آيَاتِي فِي الدَّارِ الدُّنْيَا، وَقَامَتْ حُجَجِي عَلَيْكَ، فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ عَنِ اتِّبَاعِهَا، وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِهَا، الْجَاحِدِينَ لَهَا.

{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١) } .

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ تَسْوَدُّ فِيهِ وُجُوهٌ، وَتَبْيَضُّ فِيهِ وُجُوهٌ، تَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ، وَتَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، قَالَ تَعَالَى هَاهُنَا: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ} أَيْ: فِي دَعْوَاهُمْ لَهُ شَرِيكًا وَوَلَدًا {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} أَيْ: بِكَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} أَيْ: أَلَيْسَتْ جَهَنَّمُ كَافِيَةً لَهَا (٤) سِجْنًا وَمَوْئِلًا لَهُمْ فِيهَا [دَارُ] (٥) الْخِزْيِ وَالْهَوَانِ، بِسَبَبِ تَكَبُّرِهِمْ وَتَجَبُّرِهِمْ وَإِبَائِهِمْ عَنِ الِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي ابْنِ وهب، حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى الْخَيَّاطُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ (٦) ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْمُتَكَبِّرِينَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشْبَاهَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ، حَتَّى يَدْخُلُوا سِجْنًا مِنَ النَّارِ فِي وَادٍ يُقَالُ لَهُ بُولَسُ، مِنْ نَارِ الْأَنْيَارِ، وَيُسْقَوْنَ عُصَارَةَ أَهْلِ النَّارِ، وَمِنْ طِينَةِ الخَبَال" (٧) .

وَقَوْلُهُ: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} أَيْ: مِمَّا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ السَّعَادَةِ وَالْفَوْزِ عِنْدَ اللَّهِ، {لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} أَيْ: وَلَا يَحْزُنُهُمُ (٨) الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ، بَلْ هُمْ آمَنُونَ مِنْ كُلِّ فَزَع، مُزَحْزَحُونَ عَنْ كُلِّ شَرٍّ، مُؤمَلون كُلَّ خَيْرٍ.

{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٦٣) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (٦٤) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦) } .

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ خَالِقُ (٩) الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَرَبُّهَا وَمَلِيكُهَا وَالْمُتَصَرِّفُ فِيهَا، وَكُلٌّ تَحْتَ تَدْبِيرِهِ وَقَهْرِهِ وكلاءته.


(١) زيادة من ت، س، أ.
(٢) في ت: "قل" وهو خطأ.
(٣) في أ: "منه جاءتك".
(٤) في ت، س: "لهم".
(٥) زيادة من ت، س.
(٦) في ت: "روى ابن أبي حاتم بإسناده عن عمرو بن شعيب"
(٧) ورواه أحمد في مسنده (٢/١٧٨) والترمذي في السنن برقم (٢٤٩٢) من طريق محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب بنحوه، قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
(٨) في ت: "أي لا يجزيهم".
(٩) في ت: "خلق".

<<  <  ج: ص:  >  >>