للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ: {كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} أَيْ: كَمَا ضَلَّ هَؤُلَاءِ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، كَذَلِكَ أُفِكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَعَبَدُوا غَيْرَهُ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْجَهْلِ وَالْهَوَى، وَجَحَدُوا حُجَجَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ.

وَقَوْلُهُ: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا} أَيْ: جَعَلَهَا مُسْتَقَرًّا لَكُمْ، بِسَاطًا مِهَادًا تَعِيشُونَ عَلَيْهَا، وَتَتَصَرَّفُونَ فِيهَا، وَتَمْشُونَ فِي مَنَاكِبِهَا، وَأَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ لِئَلَّا تَمِيدَ بِكُمْ، {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} أَيْ: سَقْفًا لِلْعَالَمِ مَحْفُوظًا، {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} أَيْ: فَخَلَقَكُمْ فِي أَحْسَنِ الْأَشْكَالِ، وَمَنَحَكُمْ أَكْمَلَ الصُّوَرِ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} أَيْ: مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ فِي الدُّنْيَا. فَذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَ الدَّارَ، وَالسُّكَّانَ، وَالْأَرْزَاقَ -فَهُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: ٢١، ٢٠] (١) وَقَالَ هَاهُنَا بَعْدَ خَلْقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} أَيْ: فَتَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ رَبُّ الْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ.

ثُمَّ قَالَ: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ} أَيْ: هُوَ الْحَيُّ أَزَلًا وَأَبَدًا، لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَهُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، {لَا إِلَهَ إِلا هُوَ} أَيْ: لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا عَدِيلَ لَهُ، {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أَيْ: مُوَحِّدِينَ لَهُ مُقِرِّينَ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَأْمُرُونَ مَنْ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" أَنْ يتبعها بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، عَمَلًا بِهَذِهِ الْآيَةِ.

ثُمَّ رَوَى عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقَدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (٢) قَالَ: مَنْ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فَلْيَقُلْ عَلَى أَثَرِهَا: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" فَذَلِكَ (٣) قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ وَغَيْرُهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِذَا قَرَأْتَ: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غَافِرٍ: ١٤] ، فَقُلْ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" وَقُلْ عَلَى أَثَرِهَا: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٦) }


(١) في س: "اتقوا" وهوز خطأ.
(٢) في ت: "ثم روى بإسناده عن ابن عباس".
(٣) في ت، س: "وذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>