للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢) }

هَذَا إِنْكَارٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْرَهُ، وَهُوَ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ، الْقَاهِرُ لِكُلِّ شَيْءٍ، الْمُقَدِّرُ لِكُلِّ شَيْءٍ، فَقَالَ: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا} أَيْ: نُظَرَاءَ وَأَمْثَالًا تَعْبُدُونَهَا (١) مَعَهُ {ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} أَيِ: الْخَالِقُ لِلْأَشْيَاءِ هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ.

وَهَذَا الْمَكَانُ فِيهِ تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الْأَعْرَافِ: ٥٤] ، فَفَصَّلَ هَاهُنَا مَا يَخْتَصُّ بِالْأَرْضِ مِمَّا اخْتَصَّ بِالسَّمَاءِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ أَوَّلًا لِأَنَّهَا كَالْأَسَاسِ، وَالْأَصْلُ أَنْ يُبْدَأَ بِالْأَسَاسِ، ثُمَّ بَعْدَهُ بِالسَّقْفِ، كَمَا قَالَ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ: ٢٩] ،.

فَأَمَّا قَوْلُهُ: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ} [النَّازِعَاتِ: ٢٧-٣٣] فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ دَحْى الْأَرْضِ كَانَ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ (٢) ، فالدَّحْيُ هُوَ مُفَسَّرٌ بِقَوْلِهِ: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} ، وَكَانَ هَذَا بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ، فَأَمَّا خَلْقُ الْأَرْضِ فَقَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ بِالنَّصِّ، وَبِهَذَا أَجَابَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ صَحِيحِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ:

وَقَالَ الْمِنْهَالُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ قَالَ: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠١] ، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصَّافَّاتِ: ٢٧] ، {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النِّسَاءِ: ٤٢] ، {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الْأَنْعَامِ: ٢٣] ، فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ؟ وَقَالَ: {أَمِ السَّمَاءُ (٣) بَنَاهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {دَحَاهَا} [النَّازِعَاتِ: ٢٧ -٣٠] ، فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ [خَلْقِ] (٤) الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إِلَى قَوْلِهِ: {طَائِعِينَ} فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ؟ وَقَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النِّسَاءِ: ٩٦] ، {عَزِيزًا حَكِيمًا} [النِّسَاءِ: ٥٦] ، {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النِّسَاءِ: ٥٨] ، فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى.

قَالَ -يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ-: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزُّمَرِ: ٦٨] ، فلا أنساب بينهم عند


(١) في س: "يعبدونها".
(٢) في أ: "السموات".
(٣) في س: "والسماء".
(٤) زيادة من س.

<<  <  ج: ص:  >  >>